للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبدِ الله، قال: طَلاقُ العِدَّةِ أن يُطلِّقها وهي طاهِرٌ، ثُمَّ يَدَعها حتّى تَنْقضي عِدَّتُها، أو يُراجعَها إن شاءَ.

ومِثلُ هذا لا يُطْلِقُهُ ابنُ مسعُودٍ برأيِهِ، ويُشبِهُ أن يكونَ توقيفًا، مع دلالةِ القُرآنِ عليه بقولِه: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} وهي الرَّجعةُ عندَ أهلِ العِلم، ولا سبيلَ إليها مع الثَّلاثِ، فبطلَ أن يكونَ وُقُوعُ الثَّلاثِ للسُّنَّةَ.

ومن حُجَّةِ الشّافِعيِّ (١)، ومن قال بقولِهِ، في أنَّ الثَّلاثَ إذا وَقَعت في طُهرٍ، لا جِماعَ فيه، فهُو أيضًا (٢) طلاقُ السُّنَّةِ: قولُ الله عزَّ وجلَّ عندَ ذِكرِ ما أباحَهُ من طَلاقِ النِّساءِ للعِدَّةِ: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١] وقُرِئَ: "لقُبُلِ عِدَّتِهِنَّ" أي: لاستِقبالِ عِدَّتِهِنَّ.

وإذا طُلِّقت في طُهرٍ لم تُمسَّ فيه، فهي مُسْتقبِلةٌ عِدَّتَها من يومِئذٍ، وسَواءٌ طُلِّقت واحدةً أو أكثرَ، لا يَمْنعُها إيقاعُ أكثَرَ من واحدةٍ من ذلكَ.

واستدلُّوا على جَوازِ وُقُوع أكثرَ من واحدةٍ، بقولِهِ عزَّ وجلَّ: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: ٦]. وهذا فيمَنْ قيل فيهنَّ في أوَّلِ السُّورةِ: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}، ثُمَّ قال (٣): {وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٦].

وهذا لا يكونُ إلّا في المبتُوتاتِ؛ لأنَّ غيرَ المبتُوتةِ مِمَّن عليها الرَّجعةُ، يُنفَقُ عليها حامِلًا وغيرَ حامِل، فعُلِم بهذا، أنَّ قولهُ: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: ١] راجِعٌ إلى بعضِ ما انْتَظمهُ الكلامُ، وهي التي لم يبلُغ


(١) انظر: الأم ٥/ ١٨١ - ١٨٢.
(٢) هذه اللفظة سقطت من ظا.
(٣) من قوله: "وهذا فيمن قيل ... " إلى هنا لم يرد في د ٤، بل جاءت الآية فيها متصلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>