للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أحمدُ بن حَنْبل: طلاقُ السُّنَّةِ، أن يُطلِّقها طاهِرًا من غيرِ جِماع واحدةً، وَيدَعُها حتّى تنقضيَ عِدَّتُها. قال: ولو طلَّقها ثلاثًا في طُهرٍ لم يُصِبها فيه، كان أيضًا مُطلِّقًا للسُّنَّةِ، وكان تارِكًا للاختيارِ.

وقال سُفيانُ الثَّوريُّ، وأبو حَنِيفةَ، وسائرُ أهلِ الكُوفةِ: من أرادَ أن يُطلِّقَ امرأتَهُ ثلاثًا للسُّنَّةِ، طلَّقها حين تطهُرُ (١) من حَيْضتِها قبلَ أن يُجامِعها طلقةً واحدةً، ثُمَّ يَدَعُها حتّى تحيض، ثُمَّ تطهُر، فإذا طهُرَتْ طَلَّقها أُخرَى، ثمَّ يَدَعها حتّى تحيضَ ثم تطهرَ، فإذا طَهُرَت (٢) وطلَّقَها ثالِثةً، حَرُمت عليه حتّى تنكِحَ زوجًا غيرَهُ. ويَبْقَى علَيها عندَهُم من عِدَّتِها حَيْضةٌ؛ لأنَّ الأقْراءَ عندَهُمُ: الحَيْضُ. ومن فعلَ هذا عندَهُم، فهُو مُطلِّقٌ للسُّنَّةِ.

وقال مالكٌ والأوزاعيُّ وأبو عُبيدٍ القاسمُ بن سلّام: ليسَ هذا بمُطلِّقٍ للسُّنَّةِ. وليسَ عندَهُمُ المُطلِّقُ للسُّنَّةِ إلّا من طلَّقَ على الوجهِ الأوَّلِ الذي حَكَينا عن مالكٍ وأصحابِهِ، حاشى أشهبَ.

وقال الشّافِعيُّ وأصحابُهُ وأبو ثورٍ وأحمدُ بن حَنْبل وداودُ بن عليٍّ: ليس في عَددِ الطَّلاقِ سُنَّةٌ ولا بِدعةٌ، وإنَّما السُّنَّةُ في وَقْتِ الطَّلاقِ، فإذا أرادَ الرَّجُلُ أن يُطلِّقَ امرأتَهُ للسُّنَّةِ، أمْهَلها حتّى تحيضَ، ثُمَّ تطهُرَ، فإذا طَهُرت طَلَّقها من قبلِ أن يُجامِعَها كَمْ شاءَ؛ إن شاءَ واحدةً، وإن شاءَ اثْنتينِ، وإن شاءَ ثلاثًا، أيَّ ذلكَ فعلَ فهُو مُطلِّقٌ للسُّنَّةِ.

وأجمعَ العُلماءُ: أنَّ طلاقَ السُّنَّةِ إنَّما هُو في المدخُولِ بها، وأمّا غيرُ المدخُولِ بها، فليسَ في طلاقِها سُنَّةٌ، ولا بِدعةٌ، وإنَّ أمرَ الله عزَّ وجلَّ ومُرادَ رسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم-


(١) من هنا إلى قوله: "تطهر" سقط من د ٤، كأنه قفز نظر.
(٢) من قوله: "طلقها أخرى" إلى هنا، لم يرد في الأصل، م، كأنه قفز نظر.

<<  <  ج: ص:  >  >>