للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأجمعَ العُلماءُ على أنَّ من طلَّقَ امرأتَهُ وهي طاهِرٌ طُهرًا لم يَمسَّها فيه (١)، طَلْقةً واحدةً، ثُمَّ تركها حتّى تَنْقضي عِدَّتُها، أو راجَعَها مُراجَعةَ رَغْبةٍ، أنَّهُ مُطلِّقٌ للسُّنَّةِ، وأنَّهُ قد طلَّقَ للعِدَّةِ التي أمرَ اللهُ بها.

واختلفُوا فيمَنْ طلَّقَ امرأتهُ ثلاثًا مجُتمِعاتٍ، في طُهْرٍ لم يَمسَّها فيه، أو أردَفَها في كلِّ طُهْرٍ من الأطهارِ التي يُعتدُّ بها في عِدَّتِها تَطْليقةً، بعدَ أن طَلَّقها واحدةً في طُهرٍ لم يَمَسَّها فيه: هل هُو بهذَين الفِعْلَينِ، أو بأحَدِهِما مُطلِّقٌ للسُّنَّةِ، أم لا (٢)؟

فقال مالكٌ وأصحابُهُ: طَلاقُ السُّنَّةِ، أن يُطلِّقَ طَلْقةً في طُهْرٍ لم يَمسَّ فيه، ولو كان في آخِرِ ساعَةٍ منهُ، ثُمَّ يُمْهِلَها (٣) حتّى تَنْقضِيَ عِدَّتُها، وذلكَ بظُهُورِ (٤) أوَّلِ الحَيْضةِ الثّالثةِ في الحُرَّةِ، أوِ الحَيْضةِ الثّانيةِ في الأمَةِ، فتَتِمُّ للحُرَّةِ ثلاثةُ أقراءٍ، وللأمةِ قُرءانِ.

والقُرءُ: الطُّهرُ المُتَّصِلُ بالدَّم عندَهُم.

فإن طلَّقها في كلِّ طُهرٍ تَطْليقةً، أو طلَّقها ثلاثًا مجُتمِعاتٍ في طُهرٍ لم يَمسَّها فيه، فقد لَزِمهُ، وليسَ بمُطلِّقٍ للسُّنَّةِ عندَ مالكٍ وجُمهُورِ أصْحابِهِ. وهُو قولُ الأوزاعيِّ، وأبي عُبَيدٍ.

وقال أشْهَبُ: لا بأسَ أن يُطلِّقها في كلِّ طُهْرٍ تَطْليقةً، ما لم يَرْتجِعها في خِلالِ ذلك، وهُو يُريدُ أن يُطلِّقها ثانيةً، فلا يَسَعُهُ ذلك؛ لأنَّهُ يُطَوِّل العِدَّةُ عليها، فإذا لم يَرْتجِعها، فلا بأسَ أن يُطلِّقها في كلِّ طُهرٍ مرَّةً.


(١) زاد هنا في م من ظا: "بعد أن طهرت من حيضتها"، ولم ترد الزيادة في النسخ الأخرى.
(٢) انظر: الأم للشافعي ٥/ ١٤٧، والمدونة ٢/ ٣، ومسائل أحمد وإسحاق ٤/ ١٥٧٢ (٩٤٢)، واختلاف الفقهاء للمروزي، ص ٢٤٥ - ٢٤٨، ومختصر اختلاف العلماء ٢/ ٤٦٢. وانظر فيها ما بعده.
(٣) في م: "يمسها".
(٤) في د ٤: "بطهر".

<<  <  ج: ص:  >  >>