للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان إسحاقُ بنُ راهويةَ يقولُ: أمّا من أوتَرَ بثلاثٍ، أو خمسٍ، أو سبع، أو تسع، فإن شاءَ سلَّمَ بينهُنَّ، وإن شاءَ لم يُسلِّم إلّا في آخِرِهِنَّ، وأمّا من أوتَرَ بإحدى عَشْرةَ ركعةً فإنَّهُ يُسلِّمُ في كلِّ ركعتَيْنِ، ويُفرِدُ الوِترَ بركعةٍ (١).

وحُجَّةُ الثَّوريِّ وأبي حنيفةَ وإسحاقَ، ومن تابَعهُم في هذا البابِ، ما رُوي عن عائشةَ في صلاةِ النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - باللَّيل، منها:

حديثُ سعيدِ بن أبي سعيدٍ، عن أبي سَلَمةَ، عن عائشةَ: أنَّ رسُولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانت صَلاتُه باللَّيلِ أربعًا، ثمَّ أربعًا، ثمَّ ثلاثًا.

ومنها: حديثُ هشام بن عُرْوةَ، عن أبيهِ، عن عائشةَ، أنَّ رسُولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (٢) كان يُصلِّي باللَّيل إحْدَى عَشْرةَ ركعةً، لا يُسلِّمُ إلّا في آخِرِهِنَّ.

وألفاظُ الأحاديثِ عن عائشةَ في ذلك مُضطرِبةٌ جِدًّا، وقد ذكَرْناها في بابِ ابن شِهاب، عن عُروةَ، وسيأتي منها ذِكرٌ في بابِ سَعيدِ بن أبي سعيدٍ، وبابِ هشام بن عُروةَ، إن شاءَ الله.

وحديثُ ابن عُمرَ هذا يَقْضي على ما اختُلِفَ فيه من حديثِ عائشةَ في هذا البابِ؛ لأنَّ حديثَ ابن عُمرَ لم يُختلَف فيه: أنَّ صلاةَ اللَّيلِ مَثْنَى مَثْنَى، وإنَّما اختُلِفَ في ذِكرِ صَلاةِ النَّهارِ فيه، وقولُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "صلاةُ اللَّيلِ مَثْنَى مَثْنَى" يَقْتضي التَّسليمَ والجُلُوسَ في كلِّ رَكْعتينِ منها، وهذا هُو الصَّوابُ، إن شاءَ الله، الذي لا يدُلُّ لفظُ مَثْنَى إلّا عليه، ألا تَرى أنَّهُ لا يجُوزُ أن يُقالَ: صلاةُ الظُّهرِ مَثْنَى مَثْنَى، وإن كان يجلسُ في الرَّكعتينِ منها؟

وأجازَ جماعةُ العُلماءِ، أن يكونَ الوِترُ ثلاثَ رَكَعاتٍ، لا زيادةَ، واختلَفُوا هل يُفصَلُ بينَ الرَّكعتينِ والرَّكعةِ بتَسليم أم لا؟


(١) ينظر: الاستذكار ٢/ ١١٠.
(٢) من قوله: "كانت صلاته" إلى هنا سقط من م.

<<  <  ج: ص:  >  >>