للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدُهما: إجماعُ الأمَّةِ كافّةً عن كافَّة، في المصلِّي فريضةً وحدَه أو كان إمامًا، أنَّه لا تُجزِئُه صلاتُه إذا قدَر على القيام فيها وصلَّى قاعدًا، وفي إجماعِهم على ذلك دليلٌ واضحٌ (١)، على أنَّ حديثَ عبدِ اللَّه بنِ عمرِو بنِ العاص المذكورَ في هذا الباب معناه النافلةُ على ما وصَفْنا.

والوجهُ الثاني: قوله عزَّ وجلَّ: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}؛ أي: قائمين، ففي هذه الآيةِ فرضُ القيام أيضًا عندَ أهلِ العلم، لقوله عزَّ وجلَّ: {وَقُومُوا}؛ ولقوله: {قَانِتِينَ}. يريد: قوموا قائمين للَّه -يعني في الصلاة- فخرَج على غيرِ لفظِه؛ لأنّه أعمُّ في الفائدةِ لاحتمالِ القُنوتِ وُجُوهًا كلُّها تَجِبُ في الصلاة. والدَّليلُ على أنَّ القيامَ يُسمَّى قُنوتًا قولُ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إذْ سُئلَ: أيُّ الصلاةِ أفضلُ؟ قال: "طُولُ القُنوت" (٢)؛ يعني طُولَ القيام (٣).

وزعَم أبو عُبيدٍ أنَّ القُنوتَ في الوتر، وهو عندَنا في صلاةِ الصُّبح، إنّما سُمِّيَ قُنوتًا لأنَّ الإنسانَ فيه قائمٌ للدُّعاءِ من غيرِ أنْ يقرأَ القرآن، فكأنّه سُكوتٌ وقيامٌ إذْ لا يُقرَأُ فيه، وقد يكونُ القُنوت: السُّكُوت، رُويَ عن زيدِ بنِ أرقمَ أنّه قال: كنّا نتكلَّمُ في الصلاةِ حتى نزَلت: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}. فأُمِرْنا بالسُّكُوت (٤).

وليس في هذا الحديث ردٌّ لما ذكرْنا؛ لأنَّ الآيةَ يقومُ منها هذان المعنيان وغيرُهما،


(١) ينظر: الإجماع لابن المنذر ص ٤٢ (٦٥) و (٦٦)، ومراتب الإجماع لابن حزم ص ٢٦.
(٢) سلف تخريجه.
(٣) هذا أحد التأويلات المذكورة في معنى هذه الآية، وسيذكر المصنِّف باقيها في الآتي من شرحه هنا قريبًا، وينظر: جامع البيان لابن جرير الطبري ٥/ ٢٢٨ - ٢٣٦.
(٤) أخرجه أحمد في المسند ٣٢/ ٢٨ (١٩٢٧٨)، والبخاري (١٢٠٠) و (٤٥٣٤)، ومسلم (٥٣٩)، وأبو داود (٩٤٩)، والترمذي (٤٠٥) و (٢٩٨٦)، والنسائي (١٢١٩) من حديث أبي عمرو الشيبانيّ سعد بن إياس، عن زيد بن أرقم رضي اللَّه عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>