للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن عِمرانَ بنِ حُصين، قال: كان بيَ النّاسورُ، فسألتُ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "صلِّ قائمًا، فإنْ لم تَستطِعْ فقاعدًا، فإنْ لم تَستطعْ فعلَى جَنْب".

قال أبو عُمر: هذا يُبيِّنُ لك أنَّ القيامَ لا يَسقطُ فرضُه إلّا بعدم الاستطاعة، ثم كذلك القعودُ إذا لم يَستطِعْ، ثم كذلكَ شيءٌ شيء، يَسقطُ عندَ عدم القُدْرةِ عليه، حتّى يَصيرَ إلى الإغماء، فيَسقطَ جميعُ ذلك. وهذا كلُّه في الفرضِ لا في النافلة (١).

وأمّا حديثُ عبدِ اللَّه بنِ عمرِو بنِ العاص في هذا الباب فإنّما هو في النافلة، والدَّليلُ على ذلك، أنَّ في نقلِ ابنِ شهابٍ له، أنَّ أصحابَ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، كانوا يُصلُّونَ في سُبْحَتِهم قُعودًا، فخرَج عليهم رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال ذلك القول (٢)، والسُّبْحَةُ عندَ أهلِ العلم: النّافلةُ، ودليلُ ذلك أيضًا، قولُه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الأمراءِ الذين يُوخِّرون الصلاةَ عن ميقاتِها: "صلُّوا الصلاةَ لوقتِها، واجعلوا صلاتَكم معَهُم سُبْحَة" (٣). يعني نافلة. وفرضُ القيام في الصلاةِ المكتوبةِ ثابتٌ من وَجْهين:


(١) الأصح أن يقال: عند بعض أهل العلم، كالخطابيِّ وابن بطّال كما سلف وأوضحنا ذلك، وهو مردودٌ، ولهذا قال الترمذيُّ بإثر هذا الحديث (٣٧٢): "ومعنى هذا الحديث عند بعض أهل العلم في صلاة التطوُّع"؛ فالأوْلى عدم التعميم في ذلك، بل قال العينيُّ في شرح سنن أبي داود ٤/ ٢٢٤ بعد أن أورد كلام الترمذيِّ هذا: "قلت: كلامُ الترمذيِّ الذي ذكرناه يُسقِط كلامَ الخطابيِّ جميعَه، فليُتأمَّل! ".
(٢) هو في الموطأ ١/ ١٩٨ (٣٦٢)، وهو الحديث الرابع من مراسيل ابن شهاب الزُّهري، كما سلف وأشرنا إلى ذلك، وسيأتي في موضعه إن شاء اللَّه تعالى.
(٣) أخرجه مسلم (٥٣٤)، والنسائي في الكبرى ١/ ٣٢٠ (٦٢١) من حديث الأسود بن يزيد النخعي وعلقمة بن قيس النخعي، عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه.
ويروى من وجوه أخرى عن ابن مسعود رضي اللَّه عنه، أخرجه أحمد في المسند ٦/ ٨٥ - ٨٦ (٣٦٠١) و ٧/ ٣٦٣ - ٣٦٤ (٤٣٤٧)، وأبو داود (٤٣٢)، والترمذي (١٨٩٨).
وأخرجه مسلم (٦٤٨)، وأبو داود (٤٣١) من حديث عبادة بن الصامت، عن أبي ذرّ رضي اللَّه عنهما. ويُروى من وجوه أخرى عنه وعن غيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>