للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لاحتمالِهما في اللُّغةِ لذلك؛ لأنَّ القنُوتَ في اللُّغةِ له وُجُوه: منها: أنَّ القُنوتَ الطّاعةُ؛ دليلُ ذلك، قولُ اللَّه عزَّ وجلَّ: {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} [البقرة: ١١٦، الروم: ٢٦]؛ أي: مُطيعون، وقوله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: ١٢٠]؛ أي: مُطيعًا للَّه، وهذا كثيرٌ مشهورٌ (١).

ومنها: أنَّ القنوتَ الصلاةُ، فيما زعَم ابنُ الأنباريِّ (٢)، واحتجَّ بقولِ اللَّه: {يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي} [آل عمران: ٤٣]. ثم بقولِ الشاعر:

قانتًا للَّه يتلُو كُتْبَه ... وعلى عمدٍ منَ الناسِ اعتَزَلْ

وقال: تحتملُ هذه الآيةُ وهذا البيتُ جميعًا عندي معنَى الطّاعةِ أيضًا، واللَّهُ أعلم.

ومنها: أنَّ القُنوتَ الدُّعاءُ، دليلُ ذلك القنوتُ في الصلاةِ وقولُهم: قنَتَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شهرًا يدعُو (٣). ومثلُ هذا كثيرٌ، وباللَّه التوفيق.

واختلَف الفقهاءُ في كيفيّة صلاةِ القاعدِ في النافلةِ وصلاةِ المريض؛ فذكَر ابنُ عبدِ الحكم (٤)، عن مالكٍ في المريض؛ أنّه يَتربَّعُ في قيامِه ورُكُوعِه،


(١) يُروى هذا المعنى عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه وعامر بن شراحيل الشعبي ومسروق وغيرهم، أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ٢/ ٢٧٧، وابن جرير الطبري في تفسيره ١٧/ ٣١٧ - ٣١٨.
(٢) في كتابه الزاهر في معاني كلمات الناس ١/ ٦٨، وقال: "والقُنوت ينقسم في كلام العرب على أربعة أقسام" فذكرها بنحو ما سيذكره المصنِّف هنا.
(٣) يعني: على رِعْل وذَكْوان، وعُصيّة، وبني لَحْيان الذين قتلوا القُرّاء من المسلمين، وقصَّتُهم في الصحيحين، البخاري (١٠٠٢) و (١٠٠٣) و (٣٠٦٤) و (٤٠٩٠)، ومسلم (٦٧٧) من طرق عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه.
(٤) نقله عن ابن عبد الحكم، عن مالك الطحاوي في مختصر اختلاف العلماء ١/ ٢٥٦، ومثل ذلك نقل عن مالك ابنُ القاسم في المدوّنة ١/ ١٧١، وينظر: الأوسط لابن المنذر ٤/ ٤٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>