للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا لم يكنْ له عليه ولاءٌ. وهؤلاء كلُّهم يُجيزون عِتْقَ السائبة، ويَجعَلون الولاءَ للمسلمين. وحجَّتُهم ما ذكَرناه من عملِ أهل المدينةِ قَرْنًا بعدَ قرنٍ في زَعم المحتجِّ بذلك؛ لأنَّه في معنَى مَن أعتَق عن غيرِه، فيكونُ الولاءُ له، ومَن أعتَق عبدَه سائبةً فقد أعتَقه عن جماعةِ المسلمين، فلذلك صارَ الولاءُ لهم.

قالوا: وإنَّما يكونُ الولاءُ لمن أعتَق إذا أعتَق عن نفسِه. فهذا ما احتَجَّ به إسماعيلُ (١) وغيرُه في عِتقِ السَّائبة.

وقال أبو حنيفة والشافعيُّ وأصحابُهما: مَن أعتَق سائبةً فولاؤُه له، وهو يَرِثُه دونَ الناس. وهو قولُ الشافعيِّ، وعطاءٍ، والحسن، وابنِ سيرينَ، وضمرةَ بنِ حبيبٍ، وراشدِ بنِ سعدٍ (٢). وبه يقولُ محمدُ بنُ عبدِ الله بنِ عبدِ الحكم (٣). وحجَّتُهم في ذلك قولُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّما الولاءُ لمن أعتَق" (٤). فنفَى بذلك أن يكونَ الولاءُ لغيرِ مُعتِقٍ، ونهَى عليه السَّلامُ عن بيع الولاءِ وهِبَتِه (٥).


(١) هو إسماعيل بن إسحاق القاضي، صاحب أحكام القرآن وغيره من المصنّفات.
(٢) ينظر: الأصل المعروف بالمبسوط لمحمد بن الحسن الشيباني ٤/ ٢٤٦، والأمّ للشافعي ٤/ ١٣٩.
(٣) ينظر: سنن سعيد بن منصور (٢٢٧) و (٢٢٨)، والمصنَّف لابن أبي شيبة (٣٢١٨٥)، وسنن الدارمي (٣١٢٣)، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٤/ ٤٤٧ - ٤٤٨.
(٤) أخرجه مالك في الموطّأ ٢/ ٣٣٤ (٢٢٦٥) عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، وهو الحديث الثالث والعشرون لهشام بن عروة، وسيأتي في موضعه إن شاء الله مع تمام تخريجه ومزيد كلام عليه.
وأخرجه ٢/ ٣٣٥ (٢٢٦٦) عن نافع عن عبد الله بن عمر، وهو الحديث الخامس والستون لنافع مولى ابن عمر، وسيأتي في موضعه مع تمام تخريجه ومزيد كلام عليه في موضعه إن شاء الله تعالى.
وأخرجه ٢/ ٣٣٥ (٢٢٦٧) عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها، وهو الحديث الثالث والأربعون ليحيى بن سعيد، وسيأتي في موضعه مع تمام تخريجه ومزيد كلام عليه في موضعه إن شاء الله تعالى.
(٥) أخرجه مالك في الموطّأ ٢/ ٣٣٦ (٢٢٦٨) عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر، وهو الحديث الأوّل لعبد الله بن دينار، وسيأتي في موضعه مع تمام تخريجه ومزيد كلام عليه إن شاء الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>