للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ملَك ثَمنَه، ولو ارتفَع مِلكُه عنه لم يُبَعْ عليه ولا مَلَك المبدَلَ منه؟ ونظيرُ ذلك مِلْكُ الرجلِ لمَن يَعتِقُ عليه، يَمنَعُ من استدامةِ الرِّقِّ، ويعتِقُ عليه بالمِلكِ، فيكونُ له ولاؤُه، وهذا ما لا خلافَ فيه. ومالكٌ وأصحابُه (١) يقولون في العبدِ إذا اشْتُرِي شراءً فاسِدًا، فأعتَقَه المشتري: إنّ العِتقَ واقع، والولاءَ ثابِتٌ له، وإن كان مِلكُه غيرَ تامٍّ ولا مُستَقِرٍّ.

قال أبو عمر: أمَّا المسلمُ إذا أعتَقَ عبدَه النصرانيَّ، فلا خلافَ بينَ العلماءِ أنَّ له ولاءَه، وأنَّه يَرِثُه إن أسلَمَ إذا لم يكنْ له وارِثٌ من نَسَبِه يَحجُبُه. فإن مات العبدُ وهو نصرانيٌّ، فلا خلافَ عَلِمتُه أيضًا بينَ الفقهاءِ أنَّ مالَه يُوضَعُ في بيتِ مالِ المسلمين، ويجري مَجْرى الفَيْء، إلا ما ذكَره أشهَبُ، عن المخزوميِّ، فإنَّه قال عنه: إنَّ مِيراثَه لأهلِ دينِه. قال: فإن أسلَم النصارى ميراثَه ولم يَطلُبُوه، ولا طلَبه منهم طالبٌ، أدخَلْناه بيتَ مالِ المسلمين مَعزولًا، ولا يكونُ فَيئًا حتى يَرِثَه اللهُ أو يأتيَ له طالبٌ. وهذا عندِي لا وجهَ له إلّا كونُ الكفَّارِ بعضُهم أولياءُ بعضٍ، كما المسلمون بعضهم أولياءُ بعضٍ. والصَّحيحُ في ذلك ما قاله جمهورُ الفقهاء، أنَّه يُوضعُ في بيتِ المال؛ لأنَّه ولاءٌ ثبَت للمسلم وِلايةَ نَسَبٍ، وهي أقعَدُ مِن ولايةِ الدِّينِ في جهةِ المواريثِ، إلّا أنَّ الشريعةَ منَعت من التوارثِ بينَ المسلمين والكفار، فكأنَّ هذا النصرانيَّ المعْتَقَ قد ترَك مالًا لا وارِثَ له، وله أصل في المسلمينَ عُدِمَ مُستَحِقُّه بعينِه، فوجَب أن يُصرَفَ في مصالح المسلمين، ويوقَفَ في بيتِ مالِهم. واللّهُ أعلمُ.

وأمَّا الحربيُّ يُعتِقُ مملوكَه، ثم يَخرُجانِ مسلِمَين، فإنَّ أبا حنيفةَ وأصحابَه قالوا: للعبدِ أن يُواليَ مَن شاء، ولا يكونُ ولاؤُه للمعتِقِ (٢).


(١) ينظر: المدوّنة ٢/ ٤٣٧.
(٢) ينظر: الأصل المعروف بالمبسوط لمحمد بن الحسن الشيباني ٤/ ٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>