للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشافعيُّ: له ولاؤُه يَرِثُه إذا أسلَم (١). واستَحْسَنه أبو يوسفَ. وهو قياسُ قولِ مالكٍ في الذِّميِّ يُعتِقُ الذِّميَّ ثم يُسلمان، وقولِهم جميعًا، وباللّه التوفيقُ.

وأمَّا المعتِقُ سائِبةً، فإنَّ ابنَ وهبٍ روَى عن مالكٍ قال: لا يُعتِقُ أحدٌ سائبةً؛ لأنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نهَى عن بيع الولاءِ وعن هبتِه (٢). وهذا عندَ كلِّ مَن ذهَب مذهبَ مالكٍ إنّما هو على كراهةِ السّائبةِ لا غيرُ؛ لأنَّ كلَّ مَن أعتَق عندَهم سائِبةً نفَذ عِتْقُه، وكان ولاؤُه لجماعةِ المسلمينَ. هكذا روَى ابنُ القاسم، وابنُ عبدِ الحكم، وأشهبُ، وغيرُهم، عن مالكٍ، وكذلك ذكَر ابنُ وهبٍ، عن مالكٍ في "موطَّئِه"، وهو المشهورُ من مذهبِه عندَ أصحابِه. وقد يحتَمِلُ أن يكونَ قولُ مالكٍ: لا يُعتِقُ أحد سائبةً. رُجوعًا عن قولِه المعروف، واللّهُ أعلمُ، ولكنَّ أصحابَه على المشهورِ من قولِه.

قال مالكٌ في "مُوطَّئِه" (٣): أحسنُ ما سَمِعتُ في السَّائبةِ أنَّه لا يُوالِي أحدًا، وأنَّ ولاءَه لجماعةِ المسلمينَ، وعَقْلَه عليهم. وهذا يدُلُّكَ على تجوِيزِه لعِتقِ السائبةِ.

وقال ابنُ القاسم وابنُ وهبٍ، عن مالكٍ: أنا أكرَهُ عِتْقَ السائِبةِ وأنهَى عنه، فإن وقَع نفَذ، وكان مِيراثُه لجماعةِ المسلمينَ، وعَقْلُه عليهم (٤).

وقال ابنُ نافع (٥): لا سائبةَ اليومَ في الإسلام، ومَن أعتَق سائبةً كان ولاؤُه له.


(١) ينظر: الأُمّ للشافعي ٤/ ١٢٣.
(٢) أخرجه مالك في الوطأ ٢/ ٣٣٦ (٢٢٦٨) عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر. وسيأتي تمام تخريجه في الحديث الأول من أحاديث عبد الله بن دينار في موضعه إن شاء الله تعالى.
(٣) ٢/ ٣٤٠ (٢٢٨١) برواية يحيى الليثي، و ٢/ ٤١٥ (٢٧٦٣) برواية أبي مصعب الزُّهري.
(٤) ينظر: المدوّنة ٢/ ٥٥٨، والتهذيب في اختصار المدوّنة للقيرواني ٢/ ٦١٥ (٢١٩٥)، وبداية المجتهد لابن رشد ٤/ ١٤٦.
(٥) هو عبد الله بن نافع بن أبي نافع الصائغ، أبو محمد المدني. قال ابن سعد: "كان قد لزم مالكَ بن أنس لزومًا شديدًا، وكان لا يقدِّم عليه أحدًا" الطبقات الكبرى ٥/ ٤٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>