للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال أبو عُمر: هذه الرِّوايةُ وما أشْبَهها عن مالكٍ تُضارعُ مَذهبَ الشافعيِّ في العَرايا؛ وذلك أنَّ الذي ذهَب إليه الشافعي (١) إجازةُ بيع ما دونَ خمسةِ أوْسُقٍ من الرُّطَبِ بالتَّمْرِ يدًا بيد، وسواءٌ كان ذلك ممّن وُهِب له ثَمَرُ نخلةٍ أو نَخَلات، أو فيمَن يُريدُ أنْ يبيعَ ذلك المِقْدارَ من حائطِه، لعِلَّةٍ أو لغير عِلَّة، الرُّخْصَةُ عندَه إنّما ورَدَتْ في المِقْدارِ المذكُور، فخَرَج ذلك عندَه من المُزابَنة، وما عدا ذلك فهو داخِلٌ في المُزابَنة، ولا يجوزُ عندَه بوجهٍ من الوُجوه. وحُجَّتُه في ذلك ظاهِرُ حديثِ داودَ بنِ الحُصَيْن المذكورِ في هذا الباب، وحديثُ ابنِ عُمر، أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهى عن بيع الثَّمَرِ بالتَّمْر، إلّا أنّه أرْخَص في العَرايا (٢). وحديثُ سَهْل بنِ أبي حَثْمةَ الذي ذكَرْناه في هذا الباب (٣). وقال في قوله في ذلك الحديث: "يأكُلُها أهلُها رُطَبا"؛ أي: يأكُلُها الذين يَبتاعُونَها رُطبًا. قال: وهم أهلُها. ورُوِيَ عن محمودِ بنِ لَبيدٍ بإسنادٍ مُنقَطِع ما يُوضِّحُ تأويلَه هذا؛ وذلك أنَّ محمودَ بنَ لَبِيدٍ قال لرجل من أصحابِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ إمّا زيدُ بنُ ثابتٍ وإمّا غيرُه، قال: ما عَراياكم هذه؟ قال: فسَمَّى رجالًا مُحتاجِين من الأنصارِ شَكَوْا إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّ الرُّطَبَ يأتي ولا نقدَ بأيدِيهم يَبْتاعون به رُطَبًا يأكُلُونه مع الناس، وعندَهم فَضْلٌ من قُوتِهم من التَّمْر، فرَخَّصَ لهم أنْ يَبْتاعُوا العَرايا بخَرْصِها من التَّمْر الذي في أيديهم يأكلونَها رُطَبًا (٤).


(١) في الأمّ ٣/ ٥٤.
(٢) أخرجه الشافعيُّ في الأمّ ٣/ ٥٤، والحميدي في مسنده (٦٧٣)، وابن أبي شيبة في المصنّف (٢٣٠٣٦)، وأحمد في المسند ٨/ ١٩٦ (٤٥٩٠)، والطحاوي في شرح معاني الآثار ٤/ ٢٩ (٥٥٩٧) من طريق سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار المكّي، عن إسماعيل بن إبراهيم الشيباني، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، به.
(٣) سلف تخريجه.
(٤) ذكره الشافعي في الأمّ ٣/ ٥٤، وفي اختلاف الحديث (المطبوع ملحقًا بالأمّ) ٨/ ٦٦٣ بغير إسناد، ومن طريقه البيهقي في معرفة السُّنن والآثار ٨/ ١٠٠ (١١١٧٤)، والبغوي في شرح السُّنة ٨/ ٨٩. وينظر: تلخيص الحبير ٣/ ٢٩، وتنقيح التحقيق ٤/ ٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>