للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا إِذَا أَطَاعَهُ فِي الْفِعْلِ وَهُوَ سَلِيمُ الِاعْتِقَادِ فَهُوَ فَاسِقٌ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ إِخْبَارٌ يَتَضَمَّنُ الْوَعِيدَ وَأَصْعَبُ مَا عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يُشْبِهَ الْمُشْرِكَ فَضْلًا أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِالشِّرْكِ. وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الَّذِينَ جَادَلُوا بِتِلْكَ الْحُجَّةِ قَوْمٌ مِنَ الْيَهُودِ وَضُعِّفَ بِأَنَّ الْيَهُودَ لَا تَأْكُلُ الْمَيْتَةَ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ قَالُوا ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمُغَالَطَةِ وَإِجَابَتِهِمْ عَنِ الْعَرَبِ فَيُمْكِنُ وَجَوَابُ الشَّرْطِ. زَعَمَ الْحَوْفِيُّ أَنَّهُ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ عَلَى حَذْفِ الْفَاءِ أَيْ فَإِنَّكُمْ وَهَذَا الْحَذْفُ مِنَ الضَّرَائِرِ فَلَا يَكُونُ فِي الْقُرْآنِ وَإِنَّمَا الْجَوَابُ مَحْذُوفٌ وإِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ التَّقْدِيرُ وَاللَّهِ إِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ لِقَوْلِهِ: وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ «١» وَقَوْلِهِ: وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ «٢» وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ هَذَا التَّرْكِيبُ بِتَقْدِيرِ اللام المؤذنة بالقسم المحذوف عَلَى إِنِ الشَّرْطِيَّةِ، كَقَوْلِهِ: لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ «٣» وَحُذِفَ جَوَابُ الشَّرْطِ لِدَلَالَةِ جَوَابِ الْقَسَمِ عَلَيْهِ.

أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي حَمْزَةَ وَأَبِي جَهْلٍ رَمَى الرَّسُولَ بِفَرْثٍ فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ حَمْزَةَ حِينَ رَجَعَ مِنْ قَنْصِهِ وَبِيَدِهِ قَوْسٌ، وَكَانَ لَمْ يُسْلِمْ فَغَضِبَ فَعَلَا بِهَا أَبَا جَهْلٍ وَهُوَ يَتَضَرَّعُ إِلَيْهِ وَيَقُولُ: سَفَّهَ عُقُولَنَا وَسَبَّ آلِهَتِنَا وَخَالَفَ آبَاءَنَا، فَقَالَ حَمْزَةُ: وَمَنْ أَسْفَهُ مِنْكُمْ تَعْبُدُونَ الْحِجَارَةَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَسْلَمَ.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَمَّارٍ وَأَبِي جَهْلٍ.

وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: فِي عُمَرَ وَأَبِي جَهْلٍ لَمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ مَثَّلَ تَعَالَى بِأَنْ شَبَّهَ الْمُؤْمِنَ بَعْدَ أَنْ كَانَ كَافِرًا بِالْحَيِّ الْمَجْعُولِ لَهُ نُورٌ يَتَصَرَّفُ بِهِ كَيْفَ سَلَكَ، وَالْكَافِرَ بِالْمُخْتَلِطِ فِي الظُّلُمَاتِ الْمُسْتَقِرِّ فِيهَا دَائِمًا لِيُظْهِرَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ وَالْمَوْتُ وَالْحَيَاةُ وَالنُّورُ وَالظُّلْمَةُ مَجَازٌ فَالظُّلْمَةُ مَجَازٌ عَنِ الْكُفْرِ وَالنُّورُ مَجَازٌ عَنِ الْإِيمَانِ وَالْمَوْتُ مَجَازٌ عَنِ الْكُفْرِ.

وَقَالَ الْمَاتُرِيدِيُّ: الْمَوْتُ مَجَازٌ عَنْ كَوْنِهِ فِي ظُلْمَةِ الْبَطْنِ لَا يُبْصِرُ وَلَا يَعْقِلُ شَيْئًا ثُمَّ أُخْرِجَ فَأَبْصَرَ وَعَقَلَ، نَقُولُ: لَا يَسْتَوِي مَنْ أُخْرِجَ مِنَ الظُّلُمَاتِ وَمَنْ تُرِكَ فِيهَا فَكَذَلِكَ لَا يَسْتَوِي الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُبْصِرُ الْحَقَّ وَيَعْمَلُ بِهِ، وَالْكَافِرُ الَّذِي لَا يُبْصِرُ وَنَحْوٌ مِنْهُ قَوْلُ ابْنِ بحر قال: أو من كَانَ نُطْفَةً أَوْ عَلَقَةً أَوْ مُضْغَةً فَصَوَّرْنَاهُ وَنَفَخْنَا فِيهِ الرُّوحَ، انْتَهَى وَأَمَّا النُّورُ فَهُوَ نُورُ الْحِكْمَةِ أَوْ نُورُ الدِّينِ أَوِ الْقُرْآنُ أَقْوَالٌ.

وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ: الْحَيَاةُ الِاسْتِعْدَادُ لِقَبُولِ الْمَعَارِفِ فَتَحْصُلُ لَهُ عُلُومٌ كُلِّيَّةٌ أَوَّلِيَّةٌ


(١) سورة المائدة: ٥/ ٧٣.
(٢) سورة الأعراف: ٧/ ٢٣.
(٣) سورة الحشر: ٥٩/ ١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>