للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ جُبَيْرٍ، وَقَتَادَةُ، ومجاهد، وَالضَّحَّاكُ:

هُوَ الرَّفِيقُ فِي السَّفَرِ.

وَقَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَالنَّخَعِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: الزَّوْجَةُ.

وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هُوَ مَنْ يَعْتَرِيكَ وَيُلِمُّ بِكَ لِتَنْفَعَهُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هُوَ الَّذِي صَحِبَكَ بأن حصل يجنبك إِمَّا رَفِيقًا فِي سَفَرٍ، وَإِمَّا جَارًا مُلَاصِقًا، وَإِمَّا شَرِيكًا فِي تَعَلُّمِ عِلْمٍ أَوْ حِرْفَةِ، وَإِمَّا قَاعِدًا إِلَى جَنْبِكَ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَسْجِدٍ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَدْنَى صُحْبَةٍ الْتَأَمَتْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ، فَعَلَيْكَ أَنْ تُرَاعِيَ ذَلِكَ الْحَقَّ وَلَا تَنْسَاهُ، وَتَجْعَلَهُ ذَرِيعَةً لِلْإِحْسَانِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَيْضًا: هُوَ الَّذِي يَصْحَبُكَ سَفَرًا وَحَضَرًا. وَقِيلَ: الرَّفِيقُ الصَّالِحُ.

وَابْنِ السَّبِيلِ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ.

وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ قِيلَ: مَا وَقَعَتْ عَلَى الْعَاقِلِ بِاعْتِبَارِ النَّوْعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:

فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ «١» وَقِيلَ: لِأَنَّهَا أَعَمُّ مِنْ مَنْ، فَتَشْمَلُ الْحَيَوَانَاتِ عَلَى إِطْلَاقِهَا مِنْ عَبِيدٍ وَغَيْرِهِمْ، وَالْحَيَوَانَاتُ غَيْرُ الْأَرِقَّاءِ أَكْثَرُ فِي يَدِ الْإِنْسَانِ مِنَ الْأَرِقَّاءِ، فَغَلَّبَ جَانِبَ الْكَثْرَةِ، فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِحْسَانِ إِلَى كُلِّ مَمْلُوكٍ مِنْ آدَمِيٍّ وَحَيَوَانٍ غَيْرِهِ. وَقَدْ وَرَدَ غَيْرُ مَا حَدِيثٍ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْأَرِقَّاءِ خَيْرًا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ. وَمِنْ غَرِيبِ التَّفْسِيرِ مَا نُقِلَ عَنْ سَهْلٍ التُّسْتَرِيِّ قَالَ: الْجَارُ ذُو الْقُرْبَى هُوَ الْقَلْبُ، وَالْجَارُ الْجُنُبُ النَّفْسُ، وَالصَّاحِبُ بِالْجَنْبِ الْعَقْلُ الَّذِي يَجْهَرُ عَلَى اقْتِدَاءِ السُّنَّةِ وَالشَّرَائِعِ، وَابْنُ السَّبِيلِ الْجَوَارِحُ الْمُطِيعَةُ.

إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً نَفَى تَعَالَى مَحَبَّتَهُ عَمَّنِ اتَّصَفَ بِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ: الِاخْتِيَالُ وَهُوَ التَّكَبُّرُ، وَالْفَخْرُ هُوَ عَدُّ الْمَنَاقِبِ عَلَى سَبِيلِ التَّطَاوُلِ بِهَا وَالتَّعَاظُمِ عَلَى النَّاسِ. لِأَنَّ مَنِ اتَّصَفَ بِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ حَمَلَتَاهُ عَلَى الْإِخْلَالِ بِمَنْ ذُكِرَ فِي الْآيَةِ مِمَّنْ يَكُونُ لَهُمْ حَاجَةٌ إِلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو رَجَاءٍ الْهَرَوِيُّ: لا تجد سيىء الْمَلَكَةِ إِلَّا وَجَدْتَهُ مُخْتَالًا فَخُورًا، وَلَا عَاقًّا إِلَّا وَجَدْتَهُ جَبَّارًا شَقِيًّا. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَالْمُخْتَالُ التَّيَّاهُ الْجَهُولُ الَّذِي يَتَكَبَّرُ عَنْ إِكْرَامِ أَقَارِبِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَمَالِيكِهِ، فَلَا يتحفى بِهِمْ، وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِمْ. وَقَالَ غَيْرُهُ:

ذَكَرَ تَعَالَى الِاخْتِيَالَ لِأَنَّ الْمُخْتَالَ يَأْنَفُ مِنْ ذَوِي قَرَابَتِهِ إِذَا كَانُوا فُقَرَاءَ، وَمِنْ جِيرَانِهِ إِذَا كَانُوا ضُعَفَاءَ، وَمِنَ الْأَيْتَامِ لِاسْتِضْعَافِهِمْ وَمِنَ الْمَسَاكِينِ لِاحْتِقَارِهِمْ، وَمِنِ ابْنِ السَّبِيلِ لِبُعْدِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ، وَمِنْ مَمَالِيكِهِ لِأَسْرِهِمْ فِي يَدِهِ انْتَهَى. وَتَظَافَرَتْ هَذِهِ النُّقُولُ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ فِي آخِرِ الْآيَةِ إِنَّمَا جَاءَ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ مَنْ اتَّصَفَ بِالْخُيَلَاءِ وَالْفَخْرِ يَأْنَفُ مِنَ


(١) سورة سورة النساء: ٤/ ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>