الْإِيلَاءُ، وَالْجُمْهُورُ حَمَلُوا قَوْلَهُ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ عَلَى الْحَلِفِ عَلَى امْتِنَاعِ الْوَطْءِ فَقَطْ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ، وَالْقَاسِمُ، وَسَالِمٌ، وَابْنُ الْمُسَيَّبِ: هُوَ الْحَلِفُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ أَنْ يَطَأَهَا، أَوْ لَا يُكَلِّمَهَا، أَوْ أَنْ يُضَارَّهَا، أَوْ يُغَاضِبَهَا. فَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ إِيلَاءٌ، إِلَّا أَنَّ ابْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: إِذَا حَلَفَ لَا يكلمها وكان يطأها فَلَيْسَ بِإِيلَاءٍ، وَإِنَّمَا تَكُونُ تِلْكَ إِيلَاءً إِذَا اقْتَرَنَ بِهَا الِامْتِنَاعُ مِنَ الْوَطْءِ.
وَأَقْوَالُ مَنْ ذُكِرَ مَعَ ابْنِ الْمُسَيَّبِ قَالُوا مَا مُحْتَمَلُهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْمُسَيَّبِ، وَمَا يَحْتَمِلُهُ أَنَّ فَسَادَ الْعِشْرَةِ إِيلَاءٌ، وَإِلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ ذَهَبَ الطَّبَرِيُّ.
وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى مَذْهَبِ هَؤُلَاءِ، لِأَنَّهُ قَالَ: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ فَلَمْ يَنُصَّ عَلَى وَطْءٍ وَلَا غَيْرِهِ.
وَ: مِنْ، يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ: يُؤْلُونَ، وَآلَى لَا يَتَعَدَّى بِمِنْ، فَقِيلَ: مِنْ، بِمَعْنَى: عَلَى، وَقِيلَ: بِمَعْنَى فِي، وَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ: عَلَى تَرْكِ وَطْءِ نِسَائِهِمْ، أَوْ فِي تَرْكِ وَطْءِ نِسَائِهِمْ. وَقِيلَ: مِنْ، زَائِدَةٌ وَالتَّقْدِيرُ: يُؤْلُونَ أَنْ يَعْتَزِلُوا نسائهم. وَقِيلَ: يَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ، وَالتَّقْدِيرُ: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَتَتَعَلَّقُ بِمَا تَتَعَلَّقُ بِهِ لَهُمُ الْمَحْذُوفُ، قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَهَذَا كُلُّهُ ضَعِيفٌ يُنَزَّهُ الْقُرْآنُ عنه، وإنما يتعلق بيؤلون عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ: مِنْ، لِلسَّبَبِ أَيْ: يَحْلِفُونَ بِسَبَبِ نِسَائِهِمْ، وَإِمَّا أَنْ يُضَمَّنَ الْإِيلَاءُ مَعْنَى الِامْتِنَاعِ، فَيُعَدَّى بِمِنْ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: لِلَّذِينِ يَمْتَنِعُونَ بِالْإِيلَاءِ مِنْ نِسَائِهِمْ، وَ: مِنْ نِسَائِهِمْ، عَامٌّ فِي الزَّوْجَاتِ مِنْ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ وَكِتَابِيَّةٍ وَمَدْخُولٍ بِهَا وَغَيْرِهَا.
وَقَالَ عَطَاءٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ: لَا إِيلَاءَ إِلَّا بَعْدَ الدُّخُولِ. وَقَالَ مَالِكٌ، لَا إِيلَاءَ مِنْ صَغِيرَةٍ لَمْ تَبْلُغْ، فَإِنْ آلَى مِنْهَا فَبَلَغَتْ لَزِمَ الْإِيلَاءُ مِنْ يَوْمِ بُلُوغِهَا.
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ، عُمُومُ الْإِيلَاءِ بِأَيِّ يَمِينٍ كَانَتْ، قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي (الْجَدِيدِ) : لَا يَقَعُ الْإِيلَاءُ إِلَّا بِالْحَلِفِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلُّ يَمِينٍ مَنَعَتْ جِمَاعًا فَهِيَ إِيلَاءٌ، وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ، وَمَالِكٌ، وَأَهْلُ الْحِجَازِ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَوْلِ الْأَخِيرِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا قَالَ: أُقْسِمُ بِاللَّهِ، فَهِيَ يَمِينٌ مُطْلَقًا وَلَا يَكُونُ بِهَا مُولِيًا، وَإِنْ قَالَ: وَإِنْ وَطِئْتُكِ فَعَلَيَّ صِيَامُ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ فَهُوَ مُولٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ كَانَ ذَلِكَ الشَّهْرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute