"ونحو اتسر فجعل الياء تاء" كإعراب قوله: ونحو اتعد فجعل الواو تاء، وحاصل معناه أنه إذا وقع قبل تاء الافتعال ياء تقلب تاء ويدغم في تاء الافتعال كبنائهم الافتعال من اتسر، وإنما فعلوا ذلك "فرارا من توالي الكسرات" الثلاث في الماضي والأربعة في المصدر؛ لأن الياء كسرتان ولما قلبوها تاء أدغموها في تاء الافتعال لاجتماع الجنسين، فقالوا: اتسر؛ أي لعب بالقمار، ولما توجه أن يقال: إن قولكم إذا وقع قبل تاء الافتعال ياء قلبت تاء ويدغم في تاء الافتعال؛ فرارا من توالي الكسرات منقوض بمثل ايتكل؛ لأن الياء فيه وقع قبل تاء الافتعال ولم يقلب وزيد يدغم أجاب بقوله: "ولم يدغم" الياء بقلبها تاء وأن لزوم توالي الكسرات "في" مثل "ايتكل"؛ أي في الافتعال الذي بني من مهموز الفاء، نحو: ايتمر من الأمر وايتكل من الأكل أصله ائتكل بهمزتين فقلبت الثانية ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، كما في إيمان "لأن الياء ليست بلازمة"؛ أي ثابتة في جميع تصرفاتها "يعني تصير" تلك الياء "همزة إذا جعلته"؛ أي ايتكل "ثلاثيا" وقلت أكل أو وصلته وقلت وائتكل، ومن شرط الإدغام أن يكون الحرفان لازمين "ومن ثم"؛ أي ومن أجل أن شرط الإدغام أن يكونا ثابتين "لا يدغم حيي في بعض اللغات" مع أنه اجتمع حرفان من جنس واحد لانعدام شرط الإدغام فيه؛ لأن الياء الأخيرة غير لازمة كما مر قوله: "وإدغام اتخذ شاذ" عطف على قوله: ولا يدغم حيي عطف الجملة الاسمية على الفعلية وهو جائز، لكنه ضعيف لفوات المناسبة بين المعطوف والمعطوف عليه وبيان كونه شاذان اتخذ افتعال بني من مهموز التاء؛ لأنه من الأذ، كما بني ايتمر من الأمرـ وايتكل من الأكل فيكون الياء فيه غير لازمة، كما في ائتكل، وإذا كانت الياء غير لازمة يكون التاء المنقلبة منه غير لازمة أيضا فينعدم شرط الإدغام بلا ريب فيكون الإدغام فيه شاذا، وقد مر تفصيله. ولما فرغ من بيان الحروف الأربعة عشر التي وقعت قبل تاء الافتعال، وكيفية إدغامها في تاء الافتعال شرع في بيان الحروف التي وقعت بعد تاء الافتعال وكيفية إدغام تاء الافتعال فيها، فقال: "ويجوز الإدغام"؛ أي إدغام تاء الافتعال فيما بعده "إذا وقع بعد تاء الافتعال" حرف "من حروف تدزذ سصضطظ"؛ أي إذا وقع حرف من هذه الحروف التسعة عين الكلمة وبنيت منها افتعالا لا يجوز لك إدغام تاء الافتعال فيها بجعل التاء من جنسها والبيان وإن اجتمع مثلا "نحو يقتل" من قتل أصله يقتتل، وإنما مثل بالمستقبل في هذا الباب ومثل بالماضي في الباب المتقدم؛ لأن الإدغام في الماضي في هذا الباب غير متفق عليه كما سيجيء بخلاف الباب المتقدم، وإنما جاز الإدغام والبيان في مثل: اقتتل يقتتل، وإن كان القياس يقتضي وجوب الإدغام لاجتماع المتجانسين كما في مد يمد؛ لأن تاء الافتعال غير لازمة بخلاف الدالين في مد، وقد أشار المازني إلى هذا الفرق وقال: إنما جاز الإدغام في اقتتل ووجب في شد ومد؛ لأن كل واحد من الدالين في شد ومد لا ينفك عن صاحبه بخلاف تاء افتعل؛ فإنه يجوز انفكاكها عن التاء الواقع بعدها، وذلك في الصور التي يكون في موضع العين حرف غير التاء فلا يتلازمان، وإذا لم يجب الإدغام فيما يجتمع فيه المتجانسان كان عدم وجوب الإدغام فيما يجتمع فيه المتقاربان بطريق الأولى "ويبدر" أصله يبتدر؛ أي يشرع "ويعذر" أصله يعتذر من العذر.