المتكلم في نظم الكلام فهو أمر قد يتبدل عن تبدل الأغراض، كما إذا قلت: زيد قائم لا قاعدا كان قائم مؤكدا وأصلا ولا قاعد مؤكدا وفرعا، فإذا عكست وقلت: زيد لا قاعد بل قائم، صار الأصل فرعا والفرع أصلا، وأمثال ذلك كثيرة والأصالة في الاشتقاق أمر لا يتبدل، وكل ذلك ظاهر بصواب التأمل وأيضا نقول ضربا في ضربت ضربا لا يؤكد الفعل بل المصدر الذي في ضمن الفعل، قال الفاضل الرضى وهو يعني ضربا في ضربت ضربا في الحقيقة تأكيدا للمصدر المضمون لكنهم سموها تأكيدا للفعل توسعا، فقولك: ضربت بمعنى أحدثت ضربا فلما ذكرت بعده ضربا صار بمنزلة قولك: أحدثت ضربا ضربا فظهر أنه تأكيد للمصدر المضمون وحده لا للأخبار والزمان اللذين تضمنهما الفعل. ا. هـ. وإذا لم يكن الفعل مؤكدا بالمصدر في الحقيقة لم يكن له أصالة بالنسبة إلى المصدر أصلا فضلا عن الأصالة في الاشتقاق "و" أما عن الثالث فهو أن "قولهم مشرب عذب ومركب فاره من باب جرى النهر وسال الميزاب" أي من باب المجاز الذي هو كر المحل وإرادة الحال لا من قبيل ذكر المصدر وإرادة المفعول كما ذكرتم، يعني أن مشربا ومركبا اسما مكان يراد بهما ما حل في ذلك المكان فيراد من مشرب ماء حل فيه ومن مركب فرس حل فيه فمعنى مشرب عذب ماء عذب ومعنى مركب فاره فرس فاره، كما أن النهر موضع يراد به ما حل فيه وهو الماء، فيكون معنى جرى النهر جرى الماء فيه. فحاصل الجواب أنا لا نسلم أن مشربا ومركبا مصدران بمعنى مشروب ومركوب حتى يكون لفظ المصدر بمعنى المصدور، وأيضا لم لا يجوز أن يكونا من قبيل ذكر المحل وإرادة الحال كما في جرى النهر وسال الميزاب باعتبار كونهما اسمي مكان. وأقول المشرب يكون مصدرا ميميا واسم مكان فكلا المعنيين سائغ، لكن ما قاله الكوفيون شائع، وأما المركب فهو لا يكون إلا مصدر بمعنى المفعول حتى كان كأنه اسم لما يركب فلا يكون من باب جرى النهر. والأولى في الجواب أن يقال لا يلزم من كون المشرب والمركب بمعنى المشروب والمركوب كون لفظ المصدر بمعنى المصدور بمجرد كونه موازنا لهما وهو ظاهر بل لا يلزم كونهما بمعنى المفعول في هذين الاستعمال؛ لجواز أن يقال هو ماء سهل المشرب بمعنى الشرب مع أن لا نسلم ذلك في هذين الاستعمالين، وأيضا يجوز أن يكون من باب جرى النهر. ولما ذكر المصنف أن الصراف يحتاج في معرفة الأوزان إلى معرفة اشتقاق تسعة أشياء من كل مصدر وجب عليه أمران بيان أصالة المصدر في الاشتقاق وبيان صيغ المصادر وأقسامها فلما فرغ من الأول شرع في الثاني فقال: