للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نَذْكُرَ هُنَا حُكْمَ الْقَارِنِ إِذَا أَتَى بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ، أَوْ سَافَرَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنَ الْمِيقَاتِ، هَلْ يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ بِذَلِكَ كَالتَّمَتُّعِ أَوْ لَا؟ . وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الدَّمَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِرُجُوعِهِ إِلَى بَلَدِهِ بَعْدَ إِتْيَانِهِ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ، إِنْ رَجَعَ وَحَجَّ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ قَارِنًا.

وَقَالَ صَاحِبُ «الْإِنْصَافِ» فِي الْكَلَامِ عَلَى الْقَارِنِ: لَا يَلْزَمُ الدَّمُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَقَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ: وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَنْ سَافَرَ سَفَرَ قَصْرٍ أَوْ إِلَى الْمِيقَاتِ، إِنْ قُلْنَا بِهِ، كَظَاهِرِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي لُزُومَهُ ; لِأَنَّ اسْمَ الْقِرَانِ بَاقٍ بَعْدِ السَّفَرِ، بِخِلَافِ التَّمَتُّعِ انْتَهَى مِنْهُ.

وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ السَّفَرَ بَعْدَ وُصُولِ مَكَّةَ، لَا يُسْقِطُ دَمَ الْقِرَانِ، وَأَنَّ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ أَنَّهُ يُسْقِطُهُ إِلْحَاقًا لَهُ بِالتَّمَتُّعِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي «شَرْحِ الْمُهَذَّبِ» : لَوْ دَخَلَ الْقَارِنُ مَكَّةَ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمِيقَاتِ، فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ أَوِ الْأَكْثَرُونَ، وَصَحَّحَهُ الْحَنَّاطِيُّ وَآخَرُونَ. وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: إِنْ قُلْنَا الْمُتَمَتِّعُ إِذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ فَهُنَا أَوْلَى، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ: وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْمَ الْقِرَانِ لَا يَزُولُ بِالْعَوْدِ، بِخِلَافِ التَّمَتُّعِ، وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنَ الْمِيقَاتِ، وَدَخَلَ مَكَّةَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمِيقَاتِ قَبْلَ طَوَافِهِ فَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ، فَهُوَ قَارِنٌ.

قَالَ الدَّارِمِيُّ فِي آخِرِ بَابِ الْفَوَاتِ: إِنْ قُلْنَا إِذَا أَحْرَمَ بِهِمَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَجَعَ سَقَطَ الدَّمُ فَهُنَا أَوْلَى، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ. انْتَهَى مِنْهُ.

وَظَاهِرُ كَلَامِ خَلِيلٍ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمَالِكِيِّ أَنَّ السَّفَرَ لَا يُسْقِطُ دَمَ الْقِرَانِ وَالْحَاصِلُ: أَنَّا بَيَّنَّا اخْتِلَافَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي السَّفَرِ بَعْدَ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ أَوْ بَعْدَ دُخُولِ مَكَّةَ، هَلْ يُسْقِطُ دَمَ الْقِرَانِ أَوْ لَا؟ وَبَيَّنَّا قَوْلَ صَاحِبِ «الْإِنْصَافِ» أَنَّ سُقُوطَهُ بِالسَّفَرِ، هُوَ مُقْتَضَى قِيَاسِهِ عَلَى التَّمَتُّعِ.

وَأَقْرَبُ الْأَقْوَالِ عِنْدِي لِلصَّوَابِ أَنَّ دَمَ الْقِرَانِ لَا يُسْقِطُهُ السَّفَرُ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْأَحْوَطَ عِنْدَنَا أَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ لَا يُسْقِطُهُ السَّفَرُ ; لِتَصْرِيحِ الْقُرْآنِ بِوُجُوبِ الْهَدْيِ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ، وَعَدَمِ صَرَاحَةِ الْآيَةِ فِي سُقُوطِهِ بِالسَّفَرِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ لُزُومَ الدَّمِ لِلْقَارِنِ الَّذِي هُوَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَهُ وَجْهٌ مِنَ النَّظَرِ ; لِأَنَّهُ اكْتَفَى عَنِ النُّسُكَيْنِ بِعَمَلِ أَحَدِهِمَا عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ، كَمَا تَقَدَّمَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>