للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذَكَرْنَا أَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا، فَهُوَ مُفَرَّعٌ عَلَيْهِ، وَوُجُوبُ الدَّمِ عَلَى الْقَارِنِ، إِنَّمَا كَانَ بِمَعْنَى النَّصِّ عَلَى التَّمَتُّعِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَالِفَ الْفَرْعُ أَصْلَهُ. انْتَهَى مِنْهُ.

قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: حَاصِلُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْقَارِنَ كَالْمُتَمَتِّعِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إِنْ كَانَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، لَا دَمَ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ صَاحِبُ «الْمُغْنِي» أَنَّ ابْنَ الْمَاجِشُونِ خَالَفَ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ: عَلَيْهِ دَمٌ، وَلَهُ وَجْهٌ قَوِيٌّ مِنَ النَّظَرِ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ: أَنَّهُ يَكْفِيهِ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ لِحَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ. فَقَدِ انْتَفَعَ بِإِسْقَاطِ عَمَلِ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ، وَلُزُومُ الدَّمِ فِي مُقَابِلِ ذَلِكَ لَهُ وَجْهٌ مِنَ النَّظَرِ كَمَا تَرَى.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي «شَرْحِ الْمُهَذَّبِ» : قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَا يَجِبُ عَلَى حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ دَمُ الْقِرَانِ، كَمَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ. وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ. انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ. وَهَذَا الْوَجْهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ «الْمُغْنِي» ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ، وَأَصْحَابِهِ، كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، فِي أَنَّ الْقَارِنَ إِنْ كَانَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، لَا دَمَ عَلَيْهِ، وَحَاضِرُوا الْمَسْجِدِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَهْلُ مَكَّةَ، وَذِي طَوًى.

قَالَ الشَّيْخُ الْحَطَّابُ فِي شَرْحِهِ لِقَوْلِ خَلِيلٍ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَشَرْطُ دَمِهِمَا عَدَمُ إِقَامَتِهِ بِمَكَّةَ أَوْ ذِي طُوًى. . . إِلَخْ، مَا نَصُّهُ: وَذُو طُوًى هُوَ مَا بَيْنَ الثَّنِيَّةِ الَّتِي يَهْبِطُ مِنْهَا إِلَى مَقْبَرَةِ مَكَّةَ الْمُسَمَّاةِ بِالْمَعْلَاةِ، وَالثَّنِيَّةُ الْأُخْرَى الَّتِي إِلَى جِهَةِ الزَّاهِرِ وَتُسَمَّى عِنْدَ أَهْلِ مَكَّةَ بَيْنَ الْحَجُونَيْنِ انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ.

وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ وَنَحْوَهُمْ مِمَّنْ دُونَ الْمِيقَاتَ: لَا تُشْرَعُ لَهُمُ الْعُمْرَةَ أَصْلًا فَلَا تَمَتُّعَ لَهُمْ وَلَا قِرَانَ، بِنَاءً عَلَى رُجُوعِ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ: ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِنَفْسِ التَّمَتُّعِ، كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ، مَعَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّهُمْ إِنْ تَمَتَّعُوا أَوْ قَرَنُوا أَسَاءُوا وَانْعَقَدَ إِحْرَامُهُمْ، وَلَزِمَهُمْ دَمُ الْجَبْرِ، وَهَذَا الدَّمُ عِنْدَهُمْ دَمُ جِنَايَةٍ لَا يَأْكُلُ صَاحِبُهُ مِنْهُ، بِخِلَافِ دَمِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ مِنْ غَيْرِ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَهُوَ عِنْدَهُمْ دَمُ نُسُكٍ، يَجُوزُ لِصَاحِبِهِ الْأَكْلُ مِنْهُ، وَنَقَلَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ لَا مُتْعَةَ لَهُمْ. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ رَأْيُ الْبُخَارِيِّ.

وَاعْلَمْ أَنَّا قَدَّمْنَا أَنَّ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ دَمِ التَّمَتُّعِ: أَلَّا يَرْجِعَ بَعْدَ الْعُمْرَةِ إِلَى بَلَدِهِ أَوْ مَسَافَةِ مِثْلِهِ، أَوْ يُسَافِرَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا هُنَاكَ مِنْ أَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ فِي ذَلِكَ، وَأَرَدْنَا أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>