وَعَطَاءٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالْحَسَنِ، وَالضَّحَّاكِ، وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، ثُمَّ شَرَعَ يَذْكُرُ الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى فَضْلِ الْأَيَّامِ الْعَشَرَةِ الْأُوَلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: تَفْسِيرُ الْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ فِي آيَةِ الْحَجِّ هَذِهِ: بِأَنَّهَا الْعَشْرُ الْأُوَلُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ إِلَى آخِرِ يَوْمِ النَّحْرِ، لَا شَكَّ فِي عَدَمِ صِحَّتِهِ، وَإِنْ قَالَ بِهِ مِنْ أَجِلَّاءِ الْعُلَمَاءِ، وَبَعْضِ أَجِلَّاءِ الصَّحَابَةِ مَنْ ذَكَرْنَا.
وَالدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى بُطْلَانِهِ أَنَّ اللَّهَ بَيَّنَ أَنَّهَا أَيَّامُ النَّحْرِ بِقَوْلِهِ: وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَهُوَ ذِكْرُهُ بِالتَّسْمِيَةِ عَلَيْهَا عِنْدَ ذَبْحِهَا تَقَرُّبًا إِلَيْهِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهَا الْعَشَرَةُ الْمَذْكُورَةُ، يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الْعَشَرَةُ كُلُّهَا أَيَّامَ نَحْرٍ، وَأَنَّهُ لَا نَحْرَ بَعْدَهَا، وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ بَاطِلٌ كَمَا تَرَى ; لِأَنَّ النَّحْرَ فِي التِّسْعَةِ الَّتِي قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ لَا يَجُوزُ وَالنَّحْرُ فِي الْيَوْمَيْنِ بَعْدَهُ جَائِزٌ. وَكَذَلِكَ الثَّالِثُ عِنْدَ مَنْ ذَكَرْنَا، فَبُطْلَانُ هَذَا الْقَوْلِ وَاضِحٌ كَمَا تَرَى. ثُمَّ قَالَ النَّوَوِيُّ مُتَّصِلًا بِكَلَامِهِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ مَالِكٌ: هِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ: يَوْمُ النَّحْرِ، وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ فَالْحَادِيَ عَشَرَ، وَالثَّانِيَ عَشَرَ عِنْدَهُ مِنَ الْمَعْلُومَاتِ، وَالْمَعْدُودَاتِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْمَعْلُومَاتُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ: يَوْمُ عَرَفَةَ وَالنَّحْرِ وَالْحَادِيَ عَشَرَ. وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْمَعْلُومَاتُ أَرْبَعَةٌ: يَوْمُ عَرَفَةَ وَالنَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ.
وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ: أَنَّ عِنْدَنَا يَجُوزُ ذَبْحُ الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كُلِّهَا، وَعِنْدَ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ. هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْبَيَانِ، انْتَهَى مِنَ النَّوَوِيِّ. وَقَدْ سَكَتَ عَلَى كَلَامِ صَاحِبِ «الْبَيَانِ» : وَهُوَ بَاطِلٌ بُطْلَانًا وَاضِحًا ; لِأَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْأَيَّامَ الْمَعْلُومَاتِ هِيَ الْعَشَرَةُ الْأُوَلُ، لَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الذَّبْحِ فِيمَا بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ لِأَنَّهُ آخِرُهَا، وَقَدْ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الذَّبْحِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ فِي جَمِيعِ التِّسْعَةِ الْأُوَلِ ; لِأَنَّ الْقُرْآنَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَيَّامَ الْمَعْلُومَاتِ، هِيَ ظَرْفُ الذَّبْحِ ; كَمَا بَيَّنَّا مِرَارًا فَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْعَشَرَةُ كَانَتِ الْعَشَرَةُ هِيَ ظَرْفُ الذَّبْحِ. فَلَا يَجُوزُ فِيمَا قَبْلَهَا وَلَا مَا بَعْدَهَا، وَلَكِنَّهُ يَجُوزُ فِي جَمِيعِهَا، وَبُطْلَانُ هَذَا وَاضِحٌ كَمَا تَرَى، ثُمَّ قَالَ النَّوَوِيُّ مُتَّصِلًا بِكَلَامِهِ السَّابِقِ.
وَقَالَ الْعَبْدَرِيُّ: فَائِدَةُ وَصْفِهِ بِأَنَّهُ مَعْلُومٌ جَوَازُ النَّحْرِ فِيهِ، وَفَائِدَةُ وَصْفِهِ بِأَنَّهُ مَعْدُودٌ انْقِطَاعُ الرَّمْيِ فِيهِ. وَقَالَ: وَبِمَذْهَبِنَا قَالَ أَحْمَدُ، وَدَاوُدُ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ هِيَ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ. قَالَ: وَإِنَّمَا قِيلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute