للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَضْحَى. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنْ لَا أَضْحَى بَعْدَ انْسِلَاخِ ذِي الْحِجَّةِ، وَلَا يَصِحُّ عِنْدِي فِي هَذِهِ إِلَّا قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: قَوْلُ مَالِكٍ وَالْكُوفِيِّينَ.

وَالْآخَرُ: قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَالشَّامِيِّينَ، وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مَرْوِيَّانِ عَنِ الصَّحَابَةِ، فَلَا مَعْنَى لِلِاشْتِغَالِ بِمَا خَالَفَهُمَا ; لِأَنَّ مَا خَالَفَهُمَا لَا أَصْلَ لَهُ فِي السُّنَّةِ، وَلَا فِي قَوْلِ الصَّحَابَةِ، وَمَا خَرَجَ عَنْ هَذَيْنَ فَمَتْرُوكٌ لَهُمَا، اهـ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي «شَرْحِ الْمُهَذَّبِ» : فِي وَقْتِ ذَبْحِ الْهَدْيِ طَرِيقَانِ: أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ: أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِيَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَالثَّانِي: فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا: هَذَا، وَالثَّانِي: لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ كَدِمَاءِ الْجُبْرَانِ. فَعَلَى الصَّحِيحِ لَوْ أَخَّرَ الذَّبْحَ، حَتَّى مَضَتْ هَذِهِ الْأَيَّامُ، فَإِنْ كَانَ الْهَدْيُ وَاجِبًا: لَزِمَهُ ذَبْحُهُ، وَيَكُونُ قَضَاءً، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَقَدْ فَاتَ الْهَدْيُ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ: فَإِنْ ذَبَحَهُ كَانَ شَاةَ لَحْمٍ لَا نُسُكًا. انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ.

وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ عَنِ الرَّافِعِيِّ: أَنَّهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مِنْ كِتَابِهِ فِي بَابِ صِفَةِ الْحَجِّ، جَزَمَ بِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِيَوْمِ النَّحْرِ، وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَأَنَّهُ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الصَّوَابِ فِي بَابِ الْهَدْيِ.

قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ: الْقَوْلُ بِعَدَمِ الِاخْتِصَاصِ بِيَوْمِ النَّحْرِ وَيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ بَعْدَهُ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ ; لِأَنَّ عَدَمَ الِاخْتِصَاصِ يَجْعَلُ زَمَنَ النَّحْرِ مُطْلَقًا، لَيْسَ مُقَيَّدًا بِزَمَانٍ، وَهَذَا يَرُدُّهُ صَرِيحُ قَوْلِهِ: وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، فَجَعْلُ ظَرْفِهِ أَيَّامًا مَعْلُومَاتٍ يَرُدُّ الْإِطْلَاقَ فِي الزَّمَنِ رَدًّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ كَمَا تَرَى.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ أَيْضًا فِي «شَرْحِ الْمُهَذَّبِ» : اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْأَيَّامَ الْمَعْدُودَاتِ هِيَ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ، اهـ.

وَلَا وَجْهَ لِلْخِلَافِ فِي ذَلِكَ، مَعَ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى مُتَّصِلًا بِهِ: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ الْآيَةَ، وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ: أَيَّامُ الرَّمْيِ الَّتِي هِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ كَمَا تَرَى، ثُمَّ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَأَمَّا الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ فَمَذْهَبُنَا: أَنَّهَا الْعَشْرُ الْأَوَائِلُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ إِلَى آخَرِ يَوْمِ النَّحْرِ. انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ. وَعَزَا ابْنُ كَثِيرٍ هَذَا الْقَوْلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَعَلَّقَهُ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ كَثِيرٍ أَيْضًا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَقَتَادَةَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>