للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النَّذْرِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ، فَإِذَا أَدَّى مَا لَزِمَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرِهِ، كَذَلِكَ هُنَا انْتَهَى إِتْقَانِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. انْتَهَى كَلَامُ الشِّلْبِيِّ فِي حَاشِيَتِهِ.

وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ حَاشِيَتِهِ الْمَذْكُورَةِ: ثُمَّ إِذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً حَتَّى فَسَدَ حَجُّهَا وَلَزِمَهَا دَمٌ، هَلْ تَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ، عَنْ أَبِي شُجَاعٍ: لَا، وَعَنِ الْقَاضِي أَبِي حَازِمٍ: نَعَمْ، اهـ.

وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَظْهَرَ عِنْدَنَا لُزُومُ ذَلِكَ لِزَوْجِهَا الَّذِي أَكْرَهَهَا، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ جِدًّا ; لِأَنَّ سَبَبَهُ هُوَ جِنَايَتُهُ بِالْجِمَاعِ، الَّذِي لَا يَجُوزُ لَهُ شَرْعًا، وَمَنْ تَسَبَّبَ فِي غَرَامَةِ إِنْسَانٍ بِفِعْلِ حَرَامٍ، فَإِلْزَامُهُ تِلْكَ الْغَرَامَةَ لَا شَكَّ فِي ظُهُورِ وَجْهِهِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي «الْمُغْنِي» : فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا نَصُّهُ: وَإِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ مُكْرَهَةً عَلَى الْجِمَاعِ، فَلَا هَدْيَ عَلَيْهَا، وَلَا عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَهْدِيَ عَنْهَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ; لِأَنَّهُ جِمَاعٌ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، فَلَمْ يَجِبْ بِهِ حَالَ الْإِكْرَاهِ أَكْثَرُ مِنْ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا فِي الصِّيَامِ، وَهَذَا قَوْلُ إِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ.

وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى: أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَهْدِيَ عَنْهَا، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَمَالِكٍ ; لِأَنَّ إِفْسَادَ الْحَجِّ وُجِدَ مِنْهُ فِي حَقِّهَا، فَكَانَ عَلَيْهِ لِإِفْسَادِهِ حَجَّهَا هَدْيٌ قِيَاسًا عَلَى حَجِّهِ، وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْهَدْيَ عَلَيْهَا ; لِأَنَّ فَسَادَ الْحَجِّ ثَبَتَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الْهَدْيَ عَلَيْهَا، وَيَتَحَمَّلُهُ الزَّوْجُ عَنْهَا، فَلَا يَكُونُ رِوَايَةً ثَالِثَةً. انْتَهَى مِنْهُ.

وَفِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ، الْأَصَحُّ مِنْهُمَا عِنْدَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وُجُوبُ ذَلِكَ عَلَى الزَّوْجِ ; كَمَا بَيَّنَهُ النَّوَوِيُّ فِي «شَرْحِ الْمُهَذَّبِ» . كَمَا إِنْ كَانَتْ مُطَاوِعَةً لَهُ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَكَالِيفَ حَجَّةِ الْقَضَاءِ، وَكُلَّ مَا سَبَّبَهُ الْوَطْءُ الْمَذْكُورُ ; لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِيهِ، وَلَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْ ذَلِكَ.

الْفَرْعُ الْحَادِيَ عَشَرَ: اعْلَمْ أَنَّا قَدَّمْنَا أَنَّ مَنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ أَوْ عُمْرَتَهُ، لَزِمَهُ الْقَضَاءُ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الصَّحِيحَ وُجُوبُهُ عَلَى الْفَوْرِ لَا عَلَى التَّرَاخِي، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كَانَ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا ; لِأَنَّ النَّفْلَ مِنْهُمَا يَصِيرُ فَرْضًا بِالشُّرُوعِ فِيهِ، وَقَدْ أَرَدْنَا أَنْ نُبَيِّنَ فِي هَذَا الْفَرْعِ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِالْقَضَاءِ، فَأَفْسَدَهُ أَيْضًا بِالْجِمَاعِ، لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَلَزِمَهُ قَضَاءٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ مِائَةَ مَرَّةٍ، وَيَقَعُ الْقَضَاءُ عَنِ الْحَجِّ الْأَوَّلِ أَيِ: الَّذِي أَفْسَدَهُ أَوَّلًا، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

الْفَرْعُ الثَّانِيَ عَشَرَ: قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مِمَّا يُمْنَعُ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ حَلْقُ شَعْرِ الرَّأْسِ ; لِقَوْلِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>