الحديث في بدء الدعوة -على الأقل- والمسلمون آنذاك ضعاف، لكنه القرآن كلام رب العالمين فرض على الرسول فرضًا وما عليه إلا أن يصدع بما يؤمر لأنه ليس له من الأمر شيء إذ إن الأمر كله لله.
ولقد عاش أبو لهب بعد هذه النبوءة أكثر من ثلاثة عشر عامًا إلى أن مات على كفره. وكان باستطاعت أبي لهب وامرأته والوليد وأمثالهم أن يتظاهروا بالدخول في الإسلام كيدًا له وطعنًا في صدق محمد ورسالته، لكن هذا الأمر على بساطته استحال عليهم فعله تحقيقًا لنبؤات القرآن الكريم كلام رب العالمين.
وإذا تركنا التنبؤ بالأحداث على المستوى الفردي -وهو لا شك معجز ودقيق- لوجدنا القرآن ينبئ كذلك بالأحداث على المستوى الجماعي. فلقد قرر أن جمع الكافرين سيلقى الهزيمة في معركة ضد المسلمين يولى فيها الأدبار. وذلك حين قال عن الكفار وتوقعاتهم:{أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ، سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}[القمر: ٤٤-٤٥] .
إن القرآن يتنبأ هنا بما سوف يحدث لهم في الدنيا، لأن الآخرة لا مكان فيها لتولي الأدبار والفرار.
ولقد بين القرآن أن دحرهم في الآخرة شيء آخر ينتظرهم، وهو بطبيعة الحال أشد وأنكى. ولذلك أتبع آية النبوءة السابقة بقوله:{بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ، إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ، يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ}[القمر: ٤٦-٤٨] .
لقد كان المسلمون حين نزلت آية النبوءة هذه على حال من الضعف الشديد، حال لا تسمح بتصور تحقيق أي انتصار على قوى الكفر التي تبطش بهم، وهي حال دفعت عمر بن الخطاب -الذي عرف