والمكرمات الغر قد أدلى بها ... ذكر جميل في الورى وثناء
تزدان فيك سماحة ورجاحة ... وعدالة تقضي بها ورفاء
الله من ساحات حزبه أطبقت ... بهمومها فتوالت الأرزاء
لكنها الأقدار تجري في الورى ... فالصبر سلوان لنا وعزاء
رثاء تميز بخصائص جعلته يسير في ركاب التجديد لهذا الغرض الأدبي؛ حيث جعل الشاعر لمرثيته عنوانًا وموضوعًا شاعريًّا، لا كالشأن في الرثاء القديم، كان الشاعر ينسب قصيدته إلى المرثي، ويجعل اسمه عنوانًا وموضوعًا لمرثيته، لكن زاهر يجعل العنوان والموضوع شعرًا، يختار صورة شعرية رائعة تتناسب مع الفجاعة الحزينة، وتتلاءم مع الكارثة المذهلة، ألا وهي "نجم هوى"، وما أدراك ما النجم إذا هوى، لقد أقسم رب العزة به {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى، وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} إنها النهاية، فسقوط النجم اختلال في موازين الكون، وهذا لن يكون، لأنَّ الرسالة حقيقة، والوحي حقيقة، ومحمد الرسول حقيقة، فالحقائق هذه تجعل النجم في مداره لا يسقط أبدًا إلا بإذن الله تعالى.
أما نجم الشاعر فقد سقط، لماذا؟ لأنَّ الشعر يقوم على الخيال، والتصوير الأخاذ، والقنبلة تفجر مشاعر الأحزان، وتأخذ الحزين من ساحة الصدمة والألم، إلى الاشتغال بهذا الحدث الجلل، فيكون مصدرًا للتعويض، ومنطلقًا للتخلص من الصدمة العنيفة، فينصرف من حال إلى حال، وفي التحول يكون الصبر، واستمرار الحياة كما أراد الله، ولهذا آثر الشاعر ذلك العنوان الشاعري الموحي بأكثر مما ذكرت.
ومن خصائص التجديد في الرثاء عند زاهر أنه لم يستغرق كثيرًا في تصوير الصدمة إلَّا في الخمسة الأولى، أما الأبيات التالية التي تربو عن العشرين، اتجه الشاعر فيها إلى تصوير القيم الإسلامية، والمبادئ التشريعية، وما كان لها من أثر قوي في فداحة الجلل. .. فهو رائد العلم وبحر العلوم، ومجدد التراث، ودرع الإسلام، وصاحب العقل والسماحة والرجاحة، ومقيم العدل، وغير ذلك من القيم الإسلامية التي جاءت بها الشريعة الإسلامية الغراء.
ومن الخصائص أيضًا أن القصيدة قامت على غرض واحد، بلا مقدمات غزلية أو غيرها، كما في الرثاء القديم، وبعض الرثاء الحديث، وتلك هي الوحدة الفنية والموضوعية التي امتاز بها الشعر الحديث.
ومن الخصائص أيضًا أنَّ الشاعر جسَّم حزنه وصدمته، فسرت من وجدانه إلى مظاهر الكون؛ لأنها وحدها هي الفيصل في الحكم على المرثي، فيكون إجماعًا من كل الخلق، والسماء والأض، والبيداء والأرجاء والسحب، فاصطدمت العراق والشام، والأردن والنيل، وكل الدنيا..