للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ويوم أن يسير الشعر الملتزم على هذا النهج يكون حقق ما يهدف إليه الشعر القويّ، وما يبتغيه الشاعر من تصوير أدبي رائع يوقظ الإحساس في الآخرين، ويثير عواطفهم ومشاعرهم، ويحرك الكوامن في وجدانهم، وهل نريد من الشعر أكثر من هذا، بل هذه القصيدة تسمو بالنفس، وترقى بالذوق الأدبي وتنميه، وتضبط المشاعر عن التطرف والمبالغة، فتسير في استواء واتِّزان نحو الغاية المنشودة، التي تحقق السعادة للإنسان، وهل يبتغي الإنسان من الشعر أكثر من تحقيق هذه السعادة، وفيها الامتاع، وإليها الإثارة والإقناع، وهي في ذاتها الغاية من التصوير الأدبي، الذي يثير المشاعر، ليوقظ العقل والقلب والوجدان فينتهي الجميع بالتسليم والإقناع عن صدق ويقين، هذا هو الشعر الشاعر والأدب الحي الخالد، لا "أزهار الشر" ولا شجر "السرو" و "الخلاف" يعجب رواؤه وما له ثمر، ويخطف ضؤوه، فيعشى البصر.

وقصيدة "في ربا الحرمين" بدأها زاهر بمطلع غزلي عفيف، ضم خمسة أبيات، ثم انساب إلى مراده فيها يقول١:

سرت في هجعة المسرى تسامي ... وترمق في تطلعها المراما

وكان الشوق يحدوها ابتهاجا ... ويذكي في مشاعرها الغراما

وفي جنباتها تمشي طيوف ... كأطياف المحب إذا استهاما

فقلت لها وفي نبرات صوتي ... وداد أين أزمعت المقاما

فقالت في ربا الحرمين أشدو ... أناجي البيت والبلد الحراما

غزل عفيف طاهر بلا تبذل أو سقوط، يمضي مع الغرض من القصيدة بلا استئذان، فليلاه تزمع الرحيل معه إلى ما يؤم، إلى ربا الحرمين ليتناجيان مع البيت الحرام، وينعمان بالبلد الأمين، وتتمدد هذه المعاني في جوانب الأبيات الباقية من القصيدة ومنها:

وعند الركن تنحسر الخطايا ... ململمة جوانحها انهزاما

فتنشرح الصدور بطيب ذكر ... أماط الكرب عنها والقتاما

سأعشق موطن القربى وإني ... على حب القداسة لن ألاما

فقد عبق الأريج بكل فج ... وعم النفح زمزم والمقاما٢

وهكذا يمضي الشاعر إلى آخر القصيدة وهي طويلة، تدور معانيها حول الغرض منها ما عدا المقدمة الغزلية السابقة.


١ على درب الجهاد: ٩٧.
٢ الديوان السابق: ٩٧/ ١٠٥.

<<  <   >  >>