للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فدنا وقال: اقرأ. ولست بقارئ ... أو كاتب تدري بمروياتها

بل كنت أميًّا ولكن الذي ... رفع السماء حباك خير هياتها

وقرأت باسم الله فانجاب الدجى ... وأضاء نور الوحي من مشكاتها

أي من الذكر الحكيم ومنطق ... أحنت له البلغاء من هاماتها

وإذا تسامى الفيلسوف وأوغلت ... نظراته في الآي من آياتها

رجعت إليه الموغلات ضوالعا ... دون ارتقاء حول قدسياتها

سور يشع النور من آياتها ... ويفيض بحر العلم من صفحاتها

أما قريش فجانب سبل الهدى ... وتجانفت للإثم في ندواتها

لم تلتفت للنور فوق ربوعها ... أو تلتمس خيرًا بمؤتمراتها

بل كذبت داعي الهدى وتنكرت ... واستوحشت والإنس في جنباتها

ولربما يعشى الصباح نواظرًا ... وتموت مرضى وهي بين أساتها

من لي بناشئة على درب الهدى ... وثابة العزمات في دعواتها

تحمي حمى الغراء مما يفترى ... وتصد بالإقدام كيد غزاتها

إن الحياة هي الجهاد وإن نمت ... فيه وإن الموت في شهواتها

والله أنزل في الكتاب بصائرًا ... تهدي الورى وتنير درب هداتها

فامضوا على نهج الهداة وجددوا ... من دعوة الإصلاح مجد دعاتها

هذه هي القصيدة كلها لكي نرد بها دعوى الذين يرفضون الشعر الملتزم بالقضايا المعاصرة لمعالجتها، وتوجيه الرأي العام إلى جوهر الحقيقة فيها، أو بالأحرى يقولون بأنَّ الشعر الإسلامي لا يمكن الشاعر من التصوير الأدبي الرائع الذي يهز الوجدان ويحرك المشاعر، وها هي القصيدة في الشعر الإسلامي الملتزم نرد عليهم بروعة التصوير فيها.

فالعاطفة فيها مشبوبة صادقة، والمشاعر قوية متدفقة، والأحاسيس دقيقة متوفرة، والوجدان ملتهب ثرار، في خيال خصب عميق وصور أدبية قوية سارت على نهج القدماء في التصوير الشعري يلتزم الشاعر عمودهم الشعري في انتقاء الألفاظ، وإحكام الأساليب وإيحاء النظم والسير على بحور الخليل بن أحمد ويلتزم القافية القوية العمودية.

فالشاعر هنا يصور مبادئ الإسلام وقيمه من خلال مشاعره الذاتية، ووجدانه النفسي المحموم، فلا يقوم بوضع النقاط على الحروف التي من شأنها أن تكون مهملة، وإنما تتدفق الحروف منقوطة من وجدانه ومشاعره تفيض بإيحاءات زاخرة، ومعانٍ حية تنبض بعواطف الشاعر وأحاسيسه.

<<  <   >  >>