للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

استخدامه لها، وإنما في مقام تشبيه إخوته الذين يرثيهم بها١.

وكما يتحدث الشعرء الصعاليك عن أسلحة الهجوم، يتحدثون عن أسلحة الدفاع: الدرع والترس والمغفر، ولكنه حديث خافت الأنغام. وهذا طبيعي لأن الصعاليك ليسوا في حاجة إلى أسلحة للدفاع لأن سلاحهم الدفاعي الأول -أو بتعبير أدق- سلاح أكثرهم سرعة العدو الخارقة للعادة، وهو سلاح طالما استخدموه فأنجاهم. ولهذا كان طبيعيا أن يتحدث عروة عن درعه ومغفره كما نرى في أبياته التي أشرنا إليها والتي يتحدث فيها عما سيخلفه لورثته من بعده، فإن عروة كما نعرف عنه لم يكن من العدائين، ومع ذلك لم يتحدث عن هذه الأسلحة الدفاعية إلا في هذا الموضع، إلا إذا كان شعر عروة الذي بين أيدينا ليس كل شعره، وكان في شعره المفقود حديث عن هذه الأسلحة الدفاعية. ولكن الغريب حقا أن يرد ذكر هذه الأسلحة الدفاعية في شعر صعاليك هذيل، ووجه الغرابة أن الهذليين مشهورون بالعدو، فهم ليسوا في حاجة إلى هذه الأسلحة الدفاعية لأن سلاحهم معهم دائما. ومع ذلك فالمسألة لا تصل إلى درجة المشكلة لأن حديث صعاليك هذيل عن هذه الأسلحة لم يتجاوز حديثهم عن الترس فقط، وهو مع هذا حديث خافت الأنغام لا يعدو حالتين: إما إشارة سريعة له، وإما وصفا لصنعه، فصخر الغي يشير إلى ترسه، عند ذكره لمجموعة أسلحته، أو "بزه" كما يسميها، إشارة سريعة لا يتجاوز جزءا من شطر يصفه فيه بأنه مقبب موثق:

إني سينهى عني وعيدهم ... بيض رهاب ومجنأ أجد٢

وقد يكون عمرو ذو الكلب أشد عناية بترسه من صخر الغي، فهو يفرد له بيتا في إحدى قصائده يصفه فيه بخمس صفات: فهو أسمر، مقبب، مصنوع من جلد ثور، أصم لا خلل فيه، تصيبه النصال فترتد عنه وقد تكسرت ظباتها:


١ ديوان الهذليين ٢/ ١٢٤ "البيت الأول".
٢ شرح أشعار الهذليين ١/ ١٣ - رهاب أي رقاق. مجنأ أي مقبب. أجد أي موثق قوي.

<<  <   >  >>