وكان إذا فرغ من الوجه كتب الوجه الآخر إلى أن يجفّ، ثمّ يكتب الوجه الّذي بينهما فلا يكاد أن يزيد ولا ينقص، مع كونه يكتب قطعٍ كبير، وقطع لطيف.
قال: وكان مزّاحًا.
وخرج مع جماعة في فُرْجة، فقدَّموه يُصلّي بهم، فلمّا سَجَد بهم تركهم في الصّلاة، وصعِد شجرة، فلمّا طال عليهم، رفعوا رءوسهم من السَّجْدَة، فلم يجدوه، ثمّ إذا به في الشّجرة يصيح: نَوّ نَوْ؛ فسقط من أعينهم وانتحس، وخرج إلى بغداد، وترك أولاده بدمشق.
قلت: ثمّ أرسل أخذ أهله. وسمَّع ابنيه بدمشق سنة بضعٍ وخمسين. وببغداد سنة نيفٍ وستين وأربعمائة. وأقرأ القرآن ببغداد.
قال ابن النّجّار: هو من أهل سَمَرْقَنْد، سافر إلى الشّام، وكان محمودًا، متقنًا، عارفًا بالرويات، محقّقًا في الأخذ، متحرِّيا، صدوقًا ورِعًا. وكان يكتب على طريقة الكوفيّين، ويجمع بين نَسْخ المُصْحف من حِفْظه، وبين الأخذ على ثلاثة، ويضبط ضبطًا حَسَنًا.
ثنا ابن الأخضر، ثنا ابن البطّيّ: أنا أحمد بن عمر السَّمَرْقَنْديّ: أنبا الحسين بن محمد الحلبيّ: ثنا أحمد بن عطاء الرُّوذْباريّ إملاءً بِصُور.
قلت: مات الحلبي١ سنة ستٍّ وثلاثين، وهو أقدم شيخ للسَّمَرْقَنْديّ.
قال: الحسين بن محمد البلْخيّ: كان شيخنا أبو بكر السَّمَرْقَنْديّ لا يكتب لأحدٍ خطّه إذا قرأ عليه، إلّا أن يكون مجوّدًا في الغاية. وما رأيته كتب إلّا لمسعود الحلاويّ، وقال: ما قرأ عليّ أحدٌ مثله. فجاء إليه الطّبّال، فقرأ خَتْمات، وأعطى وَلَد الشّيخ دنانير، فردّها الشّيخ وقال: لا أستحلّ أن أكتبَ له.
قال البلْخيّ: وكان أبو بكر لمّا جاء من دمشق اتّصل بعفيف القائميّ الخادم، فأكرمه وأنزله، فكان إذا جاءه الفرّاش بالطعام بكى، فسأله عن بكائه، فقال: إن لي بدمشق أولادًا في ضيق.
١ هو: أبو عبد الله الحسين بن محمد بن أحمد بن المنيقير الحلبي الأنصاري.