للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال يحيى بن البنّا: كان الحُمَيْديّ مِن حِرصه واجتهاده ينسخ باللّيل في الحَرّ، فكان يجلس في إجّانة١ ماءٍ يتبرّد به.

وقال الحسين بن محمد بن خسْرُو: جاء أبو بكر بن ميمون، فدّق على الحُمَيْديّ، وظنّ أنّه قد أُذِن له فدخل، فوجده مكشوف الفخذ، فبكى الحُمَيْديّ وقال: والله لقد نظرت إلى موضعٍ لم ينظره أحدٌ منذ عَقَلْت٢.

وقال ابن ماكولا: لم أرَ مثل صديقنا الحُمَيْديّ في نزاهته وعفّته وورعه وتشاغله بالعلم. صنَّف تاريخًا للأندلس.

وقال السِّلَفيّ: سألت أبا عامر محمد بن سعدون العبديّ، عن الحُمَيْديّ فقال: لا يُرى قطٌّ مثله، وعن مثله يسأل! جمع بين الفقيه والحديث والأدب، ورأى علماء الأندلس. وكان حافظًا.

قلت: لقي حفّاظ العصر ابن عبد البَرّ، وابن حَزْم، والخطيب، والحبّال.

وقال يحيى بن إبراهيم السلماسي: قال أبي: لم تَرَ عينايَ مثل الحُمَيْديّ في فضله ونُبْله وغزارة عِلْمه وحرْصه على نشر العلم.

قال: وكان ورِعًا تقيًّا إمامًا في الحديث وعِلَله ورُواته، متحقّقًا في علم التّحقيق والأصول على مذهب أصحاب الحديث، بموافقة الكتاب والسُّنّة، فصيح العبارة، متبحِّرًا في علم الأدب والعربيّة والترسل. وله كتاب "الجمع بين الصحيحين"٣، و"تاريخ الأندلس"، و"جمل تاريخ الإسلام"، وكتاب "الذَّهَب المسبوك في وعظ الملوك"، وكتاب في "التَّرسُّل"، وكتاب "مخاطبات الأصدقاء"، وكتاب "ما جاء من الآثار في حفظ الجار"، وكتاب "ذمّ النّميمة".

وله شعرٌ رصينٌ في المواعظ والأمثال.

قلت: وقد جاء عن الحُمَيْديّ أنّه قال: صيّرني "الشّهاب" شهابًا. وكان يُسمع عليه كثيرًا، عن مصنّفه القُضَاعيّ.

وقال ابن سُكَّرَة: كان يدلّني على المشايخ، وكان متقلّلًا من الدنيا، يمونه ابن


١ الإجانة: وعاء يغسل فيه الثياب.
٢ تذكرة الحفاظ "٤/ ١٢١٩".
٣ سماه الدمياطي: تجريد الصحيحين للبخاري ومسلم والجمع بينهما "المستفاد ٣٥".