للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ارْجِعِي إِلَى سَيِّدَتِكِ وَاخْضَعِي لَهَا، فَإِنِّي سَأُكَثِّرُ ذُرِّيَّتَكِ وَزَرْعَكِ حَتَّى لَا يُحْصَوْنَ كَثْرَةً، هَا أَنْتِ تَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا تُسَمِّيهِ إِسْمَاعِيلَ، لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ تَذَلُّلَكِ وَخُضُوعَكِ وَخُشُوعَكِ، وَهُوَ يَكُونُ عَيْنَ النَّاسِ، وَتَكُونُ يَدُهُ فَوْقَ الْجَمِيعِ مَبْسُوطَةً إِلَيْهِ بِالْخُضُوعِ، وَيَكُونُ مَسْكَنُهُ عَلَى تُخُومِ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ.

وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ قِصَّةُ إِسْكَانِهَا وَابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ فِي بَرِّيَّةِ فَارَانَ، وَفِيهَا: فَقَالَ الْمَلَكُ: يَا هَاجَرُ لِيَفْرَحْ رَوْعُكِ. فَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ تَعَالَى صَوْتَ الصَّبِيِّ، قُومِي فَاحْمِلِيهِ وَتَمَسَّكِي بِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَاعِلُهُ لِأُمَّةٍ عَظِيمَةٍ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَتَحَ عَلَيْهَا فَإِذَا بِئْرُ مَاءٍ فَذَهَبَتْ وَمَلَأَتِ الْمَزَادَةَ مِنْهُ، وَسَقَتِ الصَّبِيَّ مِنْهُ، وَكَانَ اللَّهُ مَعَهَا وَمَعَ الصَّبِيِّ حَتَّى تَرَبَّى، وَكَانَ مَسْكَنُهُ فِي بَرِّيَّةِ فَارَانَ.

فَهَذِهِ أَرْبَعُ بِشَارَاتٍ خَالِصَةٍ لِأُمِّ إِسْمَاعِيلَ، نَزَلَتِ اثْنَتَانِ مِنْهَا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَاثْنَتَانِ عَلَى هَاجَرَ. وَفِي التَّوْرَاةِ بِشَارَاتٌ أُخْرَى بِإِسْمَاعِيلَ وَوَلَدِهِ وَأَنَّهُمْ أُمَّةٌ عَظِيمَةٌ جِدًّا، وَأَنَّ نُجُومَ السَّمَاءِ تُحْصَى وَلَا يُحْصَوْنَ، وَهَذِهِ الْبِشَارَةُ إِنَّمَا تَمَّتْ بِظُهُورِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتِهِ. وَإِنَّ بَنِي إِسْحَاقَ كَانُوا لَمْ يَزَالُوا مَطْرُودِينَ مُشَرَّدِينَ خَوَلًا لِلْفَرَاعِنَةِ وَالْقِبْطِ حَتَّى أَنْقَذَهُمُ اللَّهُ بِنَبِيِّهِ وَكَلِيمِهِ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، وَأَوْرَثَهُمْ أَرْضَ الشَّامِ، فَكَانَتْ كُرْسِيَّ مَمْلَكَتِهِمْ، ثُمَّ سَلَبَهُمْ ذَلِكَ وَقَطَّعَهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مَسْلُوبًا عِزُّهُمْ وَمُلْكُهُمْ، قَدْ أَخَذَتْهُمْ سُيُوفُ السُّودَانِ، وَعَلَتْهُمْ أَعْلَاجُ الْحُمْرَانِ حَتَّى ظَهَرَتْ تِلْكَ الْبِشَارَاتُ بَعْدَ دَهْرٍ طَوِيلٍ وَعَلَتْ وَانْتَشَرَتْ فِي آفَاقِ الدُّنْيَا، وَمُدَّتْ وَعَلَتْ بَنُو إِسْمَاعِيلَ عَلَى مَنْ حَوْلَهُمْ فَهَشَّمُوهُمْ هَشْمًا، وَطَحَنُوهُمْ طِحْنًا، وَانْتَشَرُوا فِي آفَاقِ الدُّنْيَا، وَمَدَّتِ الْأُمَمُ أَيْدِيَهُمْ إِلَيْهِمْ بِالذُّلِّ وَالْخُضُوعِ، وَعَلَوْهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>