للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عُلُوَّ الثُّرَيَّا فِيمَا بَيْنَ الْهِنْدِ وَالْحَبَشَةِ وَالسُّوسِ الْأَقْصَى وَبِلَادِ التُّرْكِ وَالصَّقَالِبَةِ وَالْخَزَرِ، وَمَلَكُوا مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ وَحَيْثُ مُلْتَقَى أَمْوَاجِ الْبَحْرَيْنِ. وَظَهَرَ ذِكْرُ إِبْرَاهِيمَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْأُمَمِ، فَلَيْسَ صَبِيٌّ مِنْ بَعْدِ ظُهُورِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا امْرَأَةٌ وَلَا حُرٌّ وَلَا عَبْدٌ وَلَا ذَكَرٌ وَلَا أُنْثَى إِلَّا وَهُوَ يَعْرِفُ إِبْرَاهِيمَ وَالِدَ إِسْمَاعِيلِ.

وَأَمَّا النَّصْرَانِيَّةُ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ ظَهَرَتْ فِي أُمَمٍ كَثِيرَةٍ جَلِيلَةٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِي مَحَلِّ إِسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ هَاجَرَ سُلْطَانٌ ظَاهِرٌ وَلَا عِزٌّ قَاهِرٌ أَلْبَتَّةَ، وَلَا صَارَتْ أَيْدِي هَذِهِ الْأُمَّةِ فَوْقَ أَيْدِي الْجَمِيعِ، وَلَا امْتَدَّتْ إِلَيْهِمْ أَيْدِي الْأُمَمُ بِالْخُضُوعِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْبِشَارَاتِ، وَيُفِيدُ مَجْمُوعُهَا الْعِلْمَ الْقَطْعِيَّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى أُمَّتِهِ. فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَقَعْ تَأْوِيلُهَا بِظُهُورِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبَطَلَتِ النُّبُوَّاتُ.

وَلِهَذَا لَمَّا عَلِمَ الْكُفَّارُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْإِيمَانُ بِالْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ إِلَّا بِالْإِيمَانِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي بُشِّرُوا بِهِ، قَالُوا: نَحْنُ فِي انْتِظَارِهِ وَلَمْ يَجِئْ بَعْدُ.

وَلَمَّا عَلِمَ بَعْضُ الْغُلَاةِ فِي كُفْرِهِ وَتَكْذِيبِهِ مِنْهُمْ أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ فِي وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ أَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ لِإِبْرَاهِيمَ ابْنٌ اسْمُهُ إِسْمَاعِيلُ، وَأَنَّ هَذَا لَمْ يَخْلُقْهُ اللَّهُ تَعَالَى.

وَلَا يَكْثُرُ عَلَى أُمَّةِ الْبَهْتِ وَإِخْوَانِ الْقُرُودِ وَقَتَلَةِ الْأَنْبِيَاءِ مِثْلُ ذَلِكَ، كَمَا لَمْ يَكْثُرْ عَلَى الْمُثَلِّثَةِ وَعُبَّادِ الصَّلِيبِ الَّذِينَ سَبُّوا رَبَّ الْعَالَمِينَ أَعْظَمَ مِسَبَّةٍ أَنْ يَطْعَنُوا فِي دِينِنَا، وَيَنْتَقِصُوا نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>