للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّ التَّوْرَاةَ لَمَّا بَشَّرَتْ بِهِ وَبِنُبُوَّتِهِ كَانَ نَفْسُ ظُهُورِهِ تَصْدِيقًا لَهَا، ثُمَّ بَشَّرَ بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِهِ، فَكَانَ ظُهُورُ الرَّسُولِ الْمُبَشَّرِ بِهِ تَصْدِيقًا لَهُ، كَمَا كَانَ ظُهُورُهُ تَصْدِيقًا لِلتَّوْرَاةِ، فَعَادَةُ اللَّهِ فِي رُسُلِهِ أَنَّ السَّابِقَ يُبَشِّرُ بِاللَّاحِقِ، وَاللَّاحِقَ يُصَدِّقُ السَّابِقَ، فَلَوْ لَمْ يَظْهَرْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ لَمْ يُبْعَثْ لَبَطَلَتْ نُبُوَّةُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ.

وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يُخْلِفُ وَعْدَهُ وَلَا يَكْذِبُ خَبَرُهُ وَقَدْ كَانَ بَشَّرَ إِبْرَاهِيمَ وَهَاجَرَ بِبِشَارَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلَمْ نَرَهَا تَمَّتْ وَلَا ظَهَرَتْ إِلَّا بِظُهُورِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَدَ بُشِّرَتْ هَاجَرُ مِنْ ذَلِكَ بِمَا لَمْ تُبَشَّرْ بِهِ امْرَأَةٌ مِنَ الْعَالَمِينَ غَيْرُ مَرْيَمَ ابْنَةِ عِمْرَانَ بِالْمَسِيحِ، عَلَى أَنَّ مَرْيَمَ بُشِّرَتْ بِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَبُشِّرَتْ هَاجَرُ بِإِسْمَاعِيلَ مَرَّتَيْنِ، وَبُشِّرَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ مِرَارًا.

ثُمَّ ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ هَاجَرَ وَبَعْدَ وَفَاتِهَا كَالْمُخَاطِبِ لَهَا عَلَى أَلْسِنَةِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَفِي التَّوْرَاةِ أَنَّ اللَّهَ قَالَ لِإِبْرَاهِيمَ: قَدْ أَجَبْتُ دَعَاكَ فِي إِسْمَاعِيلَ، وَبَارَكْتُ عَلَيْهِ، وَكَثَّرْتُهُ، وَعَظَّمْتُهُ جِدًّا جِدًّا. وَسَيَلِدُ اثْنَيْ عَشَرَ عَظِيمًا، هَكَذَا تَرْجَمَةُ بَعْضِ الْمُتَرْجِمِينَ.

وَأَمَّا فِي التَّرْجَمَةِ الَّتِي تَرْجَمَهَا اثْنَانِ وَسَبْعُونَ حَبْرًا مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَسَيَلِدُ اثْنَيْ عَشَرَ أُمَّةً مِنَ الْأُمَمِ وَفِيهَا: لَمَّا هَرَبَتْ هَاجَرُ مِنْ سَارَّةَ تَزَايَا لَهَا مَلَكُ اللَّهِ، وَقَالَ: يَا هَاجَرُ أَمَةَ سَارَّةَ مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتِ؟ وَإِلَى أَيْنَ تَذْهَبِينَ؟ قَالَتْ: هَرَبْتُ مِنْ سَيِّدَتِي، فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>