فَقَالَتِ الْيَهُودُ: وَأَنْتُمْ أَيْضًا مَخْدُوعُونَ، أَتَرَوْنَ أَنَّهُ آمَنَ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْقُوَّادِ وَمِنْ رُؤَسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ؟ فَقَالَ لَهُمْ بَعْضُ أَكَابِرِهِمْ: أَتَرَوْنَ كِتَابَكُمْ يَحْكُمُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلَ أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُ؟ فَقَالُوا لَهُ: اكْشِفِ الْكُتُبَ تَرَى أَنَّهُ لَا يَجِيءُ مِنْ جِلْجَالَ نَبِيٌّ. فَمَا قَالَتِ الْيَهُودُ ذَلِكَ إِلَّا وَقَدْ أَنْزَلَ نَفْسَهُ بِالْمَنْزِلَةِ الَّتِي أَنْزَلَهُ بِهَا رَبُّهُ وَمَالِكُهُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَلَوْ عَلِمَتْ مِنْ دَعْوَاهُ الْإِلَهِيَّةِ لَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ وَأَنْكَرَتْهُ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَعْظَمَ أَسْبَابِ التَّنْفِيرِ عَنْ طَاعَتِهِ، لِأَنَّ كَذِبَهُ كَانَ يُعْلَمُ بِالْحِسِّ وَالْعَقْلِ وَالْفِطْرَةِ وَاتِّفَاقِ الْأَنْبِيَاءِ.
وَلَقَدْ كَانَ يَجِبُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ - لَوْ سَبَقَ فِي حِكْمَتِهِ أَنَّهُ يَبْرُزُ لِعِبَادِهِ، وَيَنْزِلُ عَنْ كُرْسِيِّ عَظَمَتِهِ، وَيُبَاشِرُهُمْ بِنَفْسِهِ - أَنْ لَا يَدْخُلَ فِي فَرْجِ امْرَأَةٍ، وَيُقِيمُ فِي بَطْنِهَا بَيْنَ الْبَوْلِ وَالنَّجْوِ وَالدَّمِ عِدَّةَ أَشْهُرٍ، وَإِذْ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ. لَا يَخْرُجُ صَبِيًّا، يَرْضَعُ وَيَبْكِي، وَإِذْ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ، لَا يَأْكُلُ مَعَ النَّاسِ وَلَا يَشْرَبُ مَعَ النَّاسِ وَلَا يَنَامُ مَعَهُمْ، وَإِذْ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَلَا يَبُولُ وَلَا يَتَغَوَّطُ، وَيَمْتَنِعُ مِنَ الْخَرَأَةِ إِذْ هِيَ مَنْقَصَةٌ ابْتُلِيَ بِهَا الْإِنْسَانُ فِي هَذِهِ الدَّارِ لِنَقْصِهِ وَحَاجَتِهِ، وَهُوَ تَعَالَى الْمُخْتَصُّ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ، الْمَنْعُوتِ بِنُعُوتِ الْجَلَالِ، الَّذِي مَا وَسِعَتْهُ سَمَاوَاتُهُ وَلَا أَرْضُهُ، وَكُرْسِيُّهُ وَسِعَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَكَيْفَ وَسِعَهُ فَرْجُ امْرَأَةٍ، تَعَالَى رَبُّ الْعَالَمِينَ - وَكُلُّكُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْمَسِيحَ كَانَ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَبُولُ وَيَتَغَوَّطُ وَيَنَامُ.
فَيَا مَعْشَرَ الْمُثَلِّثَةِ وَعُبَّادَ الصَّلِيبِ، أَخْبِرُونَا مَنْ كَانَ الْمُمْسِكَ لِلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ حِينَ كَانَ رَبُّهَا وَخَالِقُهَا مَرْبُوطًا عَلَى خَشَبَةِ الصَّلِيبِ، وَقَدْ شُدَّتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ بِالْحِبَالِ، وَسُمِّرَتِ الْيَدُ الَّتِي أَتْقَنَتِ الْعَوَالِمَ؟ فَهَلْ بَقِيَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ خَلْوًا مِنْ إِلَهِهَا وَفَاطِرِهَا؟ وَقَدْ جَرَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute