وَهِيَ أَوْلَى أَيْ: وَمُعْقِبُ تَلَفِ الرَّقِيقِ عَمْدًا، أَوْ غَيْرِهِ يُوجِبُ قِيمَتَهُ وَإِنْ زَادَتْ عَلَى الدِّيَةِ سُلُوكًا بِهِ مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ وَلِهَذَا لَوْ تَلِفَ تَحْتَ يَدٍ عَادِيَةٍ وَجَبَتْ قِيمَتُهُ
(وَ) مُعْقِبُ التَّلَفِ فِي النَّفْسِ النَّاقِصَةِ (لِجَنِينٍ) وَلَوْ أُنْثَى، أَوْ خُنْثَى أَوْ نَاقِصِ الْأَعْضَاءِ، أَوْ مَجْهُولِ النَّسَبِ يُوجِبُ قِنًّا كَمَا سَيَأْتِي وَهُوَ الْغُرَّةُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ، أَوْ أَمَةٍ» بِتَرْكِ تَنْوِينِ غُرَّةٍ عَلَى الْإِضَافَةِ الْبَيَانِيَّةِ وَبِتَنْوِينِهَا عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا بَدَلٌ مِنْهَا وَسَوَّى بَيْنَ الذَّكَرِ وَغَيْرِهِ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ اخْتَلَفَ وَاجِبُهُمَا لِكَثْرَةِ الِاخْتِلَافِ فِي أَنَّهُ ذَكَرٌ، أَوْ غَيْرُهُ وَهَذَا كَمَا جُعِلَ صَاعُ التَّمْرِ بَدَلَ لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ سَوَاءٌ كَثُرَ اللَّبَنُ، أَوْ قَلَّ وَأَفْهَمَ تَنْكِيرُهُ الْجَنِينَ تَعَدُّدَ الْغُرَّةِ بِتَعَدُّدِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَوَصَفَ الْجَنِينَ بِقَوْلِهِ: (كَوْنُهُ عَلِمْنَا) أَيْ: الْجَنِينَ عَلِمْنَا وُجُودَهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ بِأَنْ انْكَشَفَ كُلُّهُ، أَوْ بَعْضُهُ وَلَوْ مُتَقَطِّعًا بَعْدَ مَوْتِهَا، أَوْ قَبْلَهُ فَلَوْ جَنَى عَلَى امْرَأَةٍ فَمَاتَتْ وَلَمْ يَنْكَشِفْ مِنْ الْجَنِينِ شَيْءٌ، أَوْ كَانَ بِهَا انْتِفَاخٌ، أَوْ حَرَكَةٌ فَزَالَ فَلَا غُرَّةَ لِلشَّكِّ.
وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي وُجُوبَهَا فِيمَا لَوْ ضَرَبَ مَيِّتَةً فَأَلْقَتْ مَيِّتًا وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ وَقَالَ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا الْبَغَوِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَوْتُهُ بِمَوْتِهَا وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ الْإِيجَابَ لَا يَكُونُ بِالشَّكِّ قَالَ: وَقَوْلُ الْأَوَّلِ الْأَصْلُ بَقَاءُ الْحَيَاةِ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّا لَمْ نَعْلَمْ حَيَاتَهُ حَتَّى نَقُولَ: الْأَصْلُ بَقَاؤُهَا (دُونَ الْحَيَاةِ) أَيْ: دُونَ عِلْمِنَا بِحَيَاتِهِ فَلَوْ عَلِمْنَاهَا بِأَنْ صَاحَ، أَوْ تَنَفَّسَ، أَوْ امْتَصَّ الثَّدْيَ، أَوْ تَحَرَّكَ حَرَكَةً قَوِيَّةً كَقَبْضِ يَدِهِ وَبَسْطِهَا لَا مُجَرَّدِ اخْتِلَاجِهِ وَمَاتَ حَالًا، أَوْ بَقِيَ مُتَأَلِّمًا حَتَّى مَاتَ لَمْ تَجِبْ الْغُرَّةُ وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ وَإِنْ انْتَهَى إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِينَ، أَوْ مَاتَ قَبْلَ الِانْفِصَالِ، أَوْ انْفَصَلَ لِوَقْتٍ لَا يُتَوَقَّعُ فِيهِ أَنْ يَعِيشَ بِأَنْ انْفَصَلَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِتَيَقُّنِ حَيَاتِهِ وَهَلَاكِهِ بِالْجِنَايَةِ فَإِنْ بَقِيَ زَمَنًا بِلَا أَلَمٍ وَمَاتَ فَلَا شَيْءَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ وَكَذَا لَوْ زَالَ أَلَمُ الْجِنَايَةِ عَنْ الْأُمِّ قَبْلَ إلْقَائِهِ مَيِّتًا وَلَوْ أَلْقَتْ بِالْجِنَايَةِ حَيًّا وَمَيِّتًا وَمَاتَ بِهَا الْحَيُّ وَجَبَتْ دِيَةُ غُرَّةٍ (وَهُوَ حُرٌّ مِنَّا) أَيْ: مُسْلِمٌ وَهَذَا قَيْدٌ لِإِيجَابِ الْغُرَّةِ الْكَامِلَةِ فَخَرَجَ الرَّقِيقُ، وَالْكَافِرُ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُمَا (حَتَّى جَنِينٍ) أَيْ: مُعْقِبُ التَّلَفِ لِجَنِينٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ يُوجِبُ غُرَّةً كَامِلَةً حَتَّى لِجَنِينٍ (هُوَ مِنْ ذِمِّيَّهْ) وَكَافِرٍ أَجْهَضَتْهُ بِجِنَايَةٍ سَابِقَةٍ عَلَى إسْلَامِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ السَّابِقِ عَلَى إجْهَاضِهِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي قَدْرِ الضَّمَانِ بِالْمَالِ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ أَمَةً فَعَتَقَتْ بَعْدَ الْجِنَايَةِ وَقَبْلَ الْإِجْهَاضِ وَلِلسَّيِّدِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْغُرَّةِ وَعُشْرِ قِيمَةِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْغُرَّةَ إنْ كَانَتْ أَقَلَّ فَلَا وَاجِبَ غَيْرُهَا، أَوْ الْعُشْرُ أَقَلُّ فَهُوَ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ السَّيِّدُ وَمَا زَادَ بِالْحُرِّيَّةِ (دُونَ جَنِينٍ) حُرٍّ مُسْلِمٍ (هُوَ مِنْ حَرْبِيَّهْ) وَحَرْبِيٍّ (تُجْهِضُ بَعْدَ سَابِقِ الْإِسْلَامِ) أَيْ: أَسْقَطَتْهُ بَعْدَ إسْلَامِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ السَّابِقِ عَلَى إجْهَاضِهِ بِجِنَايَةٍ سَابِقَةٍ عَلَى الْإِسْلَامِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعْصُومًا ابْتِدَاءً
وَقَوْلُهُ: مِنْ زِيَادَتِهِ سَابِقٌ يُغْنِي عَنْهُ لَفْظَةُ بَعْدَ فَهُوَ تَكْرَارٌ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ تَقْرِيرِي لِكَلَامِهِ (وَلَوْ) كَانَ الْإِجْهَاضُ (بِتَخْوِيفٍ مِنْ الْإِمَامِ) فَتَجِبُ بِهِ الْغُرَّةُ كَمَا تَجِبُ بِتَخْوِيفِ غَيْرِهِ وَبِمَا فَوْقَ التَّخْوِيفِ مِنْ ضَرْبٍ وَإِيجَارِ دَوَاءٍ وَنَحْوِهِمَا بِخِلَافِ نَحْوِ اللَّطْمَةِ الْخَفِيفَةِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَهِيَ أَوْلَى) ؛ لِأَنَّهَا أَوْفَقُ لِلْأُسْلُوبِ السَّابِقِ؛ وَلِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَنَّهُ يُضْمَنُ بِمَاذَا؟ إلَّا فِي أَنَّهُ يَجِبُ تَقْوِيمُهُ أَوَّلًا
(قَوْلُهُ: لِجَنِينٍ) أَيْ الْكَائِنَةُ لِجَنِينٍ (قَوْلُهُ: مَمْنُوعٌ) لَك أَنْ تَقُولَ: نَحْنُ لَا نَشْتَرِطُ تَيَقُّنَ الْحَيَاةِ وَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي حَالِ حَيَاةِ الْأُمِّ وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا الْغُرَّةَ لِظَنِّ الْحَيَاةِ، أَوْ احْتِمَالِ وُجُودِهَا، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ هَذَا الظَّنِّ، وَالِاحْتِمَالِ أَشَارَ إلَيْهِ الْجَوْجَرِيُّ بِرّ (قَوْلُهُ: دُونَ الْحَيَاةِ) اُنْظُرْ عِلْمَ الْحَيَاةِ قَبْلَ الِانْفِصَالِ كَأَنْ صَاحَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ ثُمَّ نَزَلَ مَيِّتًا وَقَدْ يُفِيدُهُ قَوْلُهُ: أَوْ مَاتَ قَبْلَ الِانْفِصَالِ (قَوْلُهُ: بِجِنَايَةٍ سَابِقَةٍ عَلَى الْإِسْلَامِ) أَفْهَمَ هَذَا أَنَّ الْجِنَايَةَ لَوْ وَقَعَتْ فِي حَالِ حِرَابَةِ الْأُمِّ وَكَانَ الْأَبُ مُسْلِمًا حِينَ الْجِنَايَةِ أَنَّهُ تَجِبُ الْغُرَّةُ وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ فِي شَرْحِ الْجَوْجَرِيِّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْمَذْهَبُ لَا شَيْءَ فِيهِ خِلَافًا لِلْمُزَنِيِّ وَأَظُنُّهُ غَلَطًا بِرّ (قَوْلُهُ: فَهُوَ تَكْرَارٌ) لَا يُقَالُ التَّكْرَارُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ إضَافَةَ سَابِقٍ لِلْإِسْلَامِ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ أَيْ: الْإِسْلَامُ السَّابِقُ وَهُوَ مَمْنُوعٌ بَلْ سَابِقُ صِفَةِ الْفِعْلِ الْمُعْقِبِ أَيْ: تُجْهِضُ بَعْدَ فِعْلٍ مُعْقِبٍ سَابِقِ الْإِسْلَامِ فَلَا تَكْرَارَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ جَعْلُ سَابِقٍ صِفَةً لِلْفِعْلِ الْمُعْقِبِ فَاسِدٌ مُنَافٍ لِغَرَضِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ تُجْهِضُ بَعْدَ سَابِقِ الْإِسْلَامِ رَاجِعٌ أَيْضًا لِقَوْلِهِ: أَيْضًا حَتَّى جَنِينٍ هُوَ مِنْ ذِمِّيَّةٍ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ تَقْيِيدُ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِكَوْنِ الْإِجْهَاضِ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْإِسْلَامِ، وَالْعِبَارَةُ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ سَابِقٍ صِفَةً لِلْفِعْلِ لَا تُفِيدُ ذَلِكَ لِصِدْقِهَا بِكَوْنِ الْإِجْهَاضِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا أَفَادَتْهُ تَأَخُّرُ الْإِجْهَاضِ عَنْ الْفِعْلِ وَهَذَا صَادِقٌ بِكَوْنِهِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَهَذَا فَاسِدٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إذْ لَا تَجِبُ فِيهَا الْغُرَّةُ الْكَامِلَةُ حِينَئِذٍ وَفِي الثَّانِيَةِ إذْ لَيْسَ هَذَا مَحَلُّ النَّفْيِ وَدَفْعِ التَّوَهُّمِ وَلِفَوَاتِ إفَادَةِ هَذَا الْحُكْمِ وَهُوَ الْإِهْدَارُ مَعَ تَأَخُّرِ الْإِجْهَاضِ عَنْ الْإِسْلَامِ فَلْيُتَأَمَّلْ سم
[حاشية الشربيني]
بِالرُّسُلِ، أَوْ الْكُفْرِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا ثَانِيهِمَا وَحِينَئِذٍ فَأَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: أَنَّ الْأَشْبَهَ بِالْمَذْهَبِ عَدَمُ الضَّمَانِ إذْ لَا وُجُوبَ بِالِاحْتِمَالِ وَكَأَنَّ مَنْ لَمْ يَتَمَسَّكْ بِدِينٍ مُهْدَرٌ وَعَدَمُ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ أَمْرٌ نَادِرٌ وَاحْتِمَالُ صِدْقِ مَنْ ادَّعَاهُ احْتِمَالٌ ضَعِيفٌ لَا نُوجِبُ الضَّمَانَ بِمِثْلِهِ اهـ.
فَالْخِلَافُ فِي أَنَّهُمْ عَلَى أَصْلِ الْإِيمَانِ حَتَّى آمَنُوا بِالرُّسُلِ مَعْنَاهُ هَلْ بَقَوْا عَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ إلَى الْإِيمَانِ بِالرُّسُلِ، أَوْ عَرَضَ عَارِضٌ حَتَّى كَانُوا عِنْدَ الْإِيمَانِ بِالرُّسُلِ كُفَّارًا الْأَصَحُّ الثَّانِي وَإِلَّا لَمَا قَاسَتْ الرُّسُلُ الشَّدَائِدَ وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّ الْإِنْسَانَ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ وَحِينَئِذٍ فَيُحْتَمَلُ بُلُوغُ الدَّعْوَةِ وَلَمْ يُؤْمِنْ وَيُحْتَمَلُ عَدَمُ بُلُوغِهَا وَلَا وُجُوبَ بِالِاحْتِمَالِ، وَلَوْ بَنَيْنَا عَلَى أَصْلِ الْإِيمَانِ لَمْ يَتَأَتَّ احْتِمَالُ بُلُوغِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute