للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمنْهَا قَوْلُهُ تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ} [الحشر: ١٩]، أي: تركوه، وقوله: {فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} [الحشر: ١٩]، أي: جعلهم يَنْسَوْنَها ويَغْفُلُون عنها، ويتركونها دُون رِعاية.

وَأَمَّا قَوْلُهُ تعالى: {أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} [المجادلة: ٦]، فالمراد بالنسيان: الذُّهول عَنْ شَيْءٍ معلوم، فَاللَّهُ تعالى أحصاهُ لكن هؤُلاءِ نَسُوه.

فهنا إِذن مِن هَذَيْنِ الشَّاهِدَيْنِ مِنَ الْقُرْآنِ الكريم يتبين لَنَا أَنَّ النسيان يُطْلَقُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: أحدهما: التَّرك، والثاني: الذُّهول عَنْ شَيْءٍ معلوم.

وَالَّذِي يَصِحُّ أَنْ يُوصَفَ اللَّهُ بِهِ هُوَ التَّرْكُ، أمَّا الذُّهول فقد نَفَاهُ اللَّهُ عَنْ نَفْسِهِ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} [طه: ٥٢]، هنا النِّسْيَانُ بِمَعْنَى: الذُّهول، وليس التَّرك؛ لِأَنَّ اللَّهَ يَتْرُكُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَابٍ ممن يستحقون التَّرْك.

أَمَّا قَوْلُه تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: ١١٥]، فهنا مَسْأَلةٌ فِيهَا قَوْلَانِ لأهل العِلم؛ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّ قَوْله: {فَنَسِيَ} أي: ترَك عَنْ عَمْدِ تَرْكٍ، فيكون مُسْتَحِقًّا لِلْعِقَابِ.

وَعَلَى هَذَا الرَّأْي لَا إِشْكَالَ فِي المَسْأَلَةِ، فكونُه يُعَاقَبُ عَلَى أَمْرٍ ترَكَهُ مِنْ غَيْرِ ذُهول، حيث ترَكَهُ وَهُوَ عَالِمُ به، ويكون مَلُومًا، وَلِهَذَا قَالَ: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّ المُرَادَ بالنسيان الذُّهول، وهؤُلاءِ قَصَدُوا بِذَلِكَ تجنُّب وصف آدم بتعمُّد المعصية؛ لِأَنَّهُ إِذَا تَرَكَهُ عَنْ ذُهول لَا يُلَامُ، وهؤُلاءِ يَحْتَاجُونَ إِلَى الْجَوَابِ عَنْ سُقوط الإثم بالنسيان، ويقولون: إِنَّ مِن خصائص هَذِهِ الْأُمَّةِ: سُقوط الإثم بالنسيان، كَقَوْلِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتي الخَطَأَ والنِّسْيَانَ،

<<  <   >  >>