عِنْدَ اللَّهِ فِي الدَّارِ الآخِرَةِ، وإذا عَوَّد الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ عَلَى ذَلِكَ، ورَوَّضها عَلَى هَذَا الْأَمْرِ، صَارَ هَذَا الْأَمْرُ سَجِيَّةً له، يفرح به ويُسَرُّ، وتَنعم بِهِ نَفْسُهُ، ولذلك فإنَّ أحب شَيْءٍ إِلَى الكريم هو العَطاء.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ القيم رَحِمَهُ اللَّهُ فِي (زاد المعاد) (١) أن الإنفاق للَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي اللَّهِ -فِي حُدُودِ الشرع- يكون سببًا لانشراح الصدر، قال: "وَمنْهَا: الْإِحْسَانُ إِلَى الْخَلْقِ وَنَفْعُهُمْ بِمَا يُمْكِنُهُ مِنَ المَالِ وَالْجَاهِ وَالنَّفْعِ بِالْبَدَنِ وَأَنْوَاعِ الْإِحْسَانِ، فَإِنَّ الْكَرِيمَ المُحْسِنَ أَشْرَحُ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَطْيَبُهُمْ نَفْسًا، وَأَنْعَمُهُمْ قَلْبًا، وَالْبَخِيلُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِحْسَانٌ أَضْيَقُ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَنْكَدُهُمْ عَيْشًا، وَأَعْظَمُهُمْ همًّا وَغَمًّا".
وَهَذَا أَمْرٌ معلوم، تجد أَكْثَرَ النَّاسِ انشراحًا فِي الصُّدُورِ هُم الكِرام، وَأَنَّهُ إِذَا أَعْطَى إنسانًا عطيّةً يجد بذلك سُرورًا وانشراحًا، فهو لو أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ هذا، وابتغى به الدَّارَ الآخِرَةَ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَضيعُ عَلَيْهِ عِنْدَ اللَّهِ، ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ يَقُولُ الناصحون له: {وَلَا تَنْسَ}.
قَوْلُه تعالى: {وَلَا تَنْسَ} أي: لَا تَتْرُكْ؛ لِأَنَّ النِّسْيَانَ يُطْلَقُ عَلَى أَمْرَيْنِ:
أحدهما: الذُّهول عَنِ الشَّيْءِ المعلوم الذي عَلِمْتَه، ثم ذُهِلْت عَنْهُ.
والثاني: التَّرك.
ومنه أَيْضًا قَوْلُهُ تعالى: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: ٦٧]، نَسُوا اللَّهَ: أي: تركوا عبادته، ولم يقوموا بحقهم.
قوله: {فَنَسِيَهُمْ} أي فَتَرَكَهُم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فلم يُثِبْهُم.
(١) زاد المعاد، لابن القيم (٢/ ٢٤).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute