وَمَا اسْتكْرِهُوا عَلَيْهِ" (١).
فقوله: "عَنْ أُمَّتِي" يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأُمَمَ السَّابِقَةَ كانت مؤاخَذَةً به، وكون الْأُمَمِ السَّابِقَةِ مؤاخَذَة، أَوْ غَيْرَ مؤاخَذَة فِي الْحَقِيقَةِ هَذَا لَا يُرَجِّحُ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ، لكن الذي يُرَجِّح أنه نسيانُ تَركٍ، لا نِسيانُ ذُهولٍ.
أَمَّا قَوْلُهُ تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: ١٢١]، وهذان الوصفان مَعصية، ويَدُلَّان عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ عَنْ عَمْدٍ، لكنه اغترَّ بِغُرور إبليس، كَمَا قَالَ تعالى: {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ} [الأعراف: ٢٢]، وقال: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف: ٢١]، وقال: {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى} [طه: ١٢٠] اغتر آدمُ، وفَعَل مَا فَعَلَ.
قَولهُ تعالى: {وَلَا تَنْسَ} كأنهم يقولون: اجعل انْهَمِاكَك فيما تُريد فِي الآخِرَةِ، حَتَّى كَأَنَّ ما تُريده للدنيا يَغيب عنك، وَلَكِنْ لَا تَنْسَهُ.
وقوله تعالى: {نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [أَيْ أَنْ تَعْمَلَ فِيهَا لِلآخِرَةِ].
يشير المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَى أَنَّ المُرَادَ بنصيبه مِنَ الدُّنْيَا أَنَّهُ عَائِدٌ عَلَى قَوْلِهِ: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ} يعني: لَا تَنْسَ نَصِيبَك مِنَ الدُّنْيَا بإمهالِك، فما دُمْتَ قَدْ أُعْطِيت مُهلة، فلا تَنْسَ هذه المُهلة أَنْ تُنْفِقَ المَالَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، فَيَكُونَ المُرَادُ بالنصيب مِنَ الدُّنْيَا هنا العَيش فِي الدُّنْيَا، يعني: لَا تَنْسَ أن تَغْتَنِمَ الفُرصة فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، فتُنفق، فتكون الجملة هنا عَائِدَةً عَلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى فِي المَعْنَى، أي: اطلب الدَّارَ الآخِرَةَ فيما تُنفِق حَتَّى لَا يُضِيعَ عليك الوقتُ، فيضيعَ نَصِيبُك مِنَ الدُّنْيَا.
(١) أخرجه ابن ماجه: كتاب الطلاق، باب طلاق المكره والناسي، رقم (٢٠٤٣).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute