وكيف جاز للسيوطي أن يتابعه على هذا. وهو العالِم المحرر المدقق، دون
أن يشير إلى وجه الخطأ فيه؟.
وحتى في المواضع التي قُدم فيها الإنس على الجن لا يستقيم قول ابن الصائغ
أن التقديم فيها لتشريف المقدَّم.
وإلا فأى تشريف يعود على الإنس في قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ) .
إن تحرير القول في هذه المواضع أن يدار الأمر فيها من حيث التقديم والتأخير
على غير هذا الوجه الذي ذهب إليه ابن الصائغ.
ونحن نُخرِّج مثالين منها من كل طائفة مثال على خلاف ما ذكره هو من تفسير لكون ذلك مقياساً لما بقي من أمثله:
المثال الأول: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ) .
فى هذه الآية قُدم الإنس على الجن. . لماذا؟
ليس للتشريف قطعاً - كما يرى ابن الصائغ - لأن المقام ليس مقام تشريف
وهذا ظاهر.
إذن فما هو الوجه اللائق لتفسير هذا التقديم؟
والذي أراه - وأرجو أن يكون سديداً - أن سر التقديم هنا: لأن عداوة
الإنس للرسل ظاهر أمرها. وعنادهم لهم لا يحتاج إلى دليل.
تحدث عن ذلك القرآن مبيِّناً الصراع الطويل بين قُوَى الهداية والخير متمثلة في الرسل، وقُوَى الضلال والشر متمثلة الناس المخالفين لدعوة الرسل.
فبنو إسرائيل - مثلاً - وهم من الإنس تمردوا على الرسل وقتلوهم.
ولم تقتل الجن رسولاً أو نبياً.