وَلِوُجُودِ مَعْنَى الْفِطْرِ، وَهُوَ وُصُولُ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ إلَى الْجَوْفِ (وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) لِانْعِدَامِهِ صُورَةً. (وَلَوْ أَقْطَرَ فِي أُذُنِهِ الْمَاءَ أَوْ دَخَّلَهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ) لِانْعِدَامِ الْمَعْنَى وَالصُّورَةِ. بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَهُ الدُّهْنُ (وَلَوْ دَاوَى جَائِفَةً أَوْ آمَّةً بِدَوَاءٍ
يَا عَائِشَةُ هَلْ دَخَلَ بَطْنِي مِنْهُ شَيْءٌ؟ كَذَلِكَ قُبْلَةُ الصَّائِمِ. إنَّمَا الْإِفْطَارُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ» وَلِجَهَالَةِ الْمَوْلَاةِ لَمْ يُثْبِتْهُ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ. وَلَا شَكَّ فِي ثُبُوتِهِ مَوْقُوفًا عَلَى جَمَاعَةٍ. فَفِي الْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ وَأَسْنَدَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فَقَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَالَ: الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ وَأَسْنَدَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ وَقَالَ: إنَّمَا الْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ وَلَيْسَ مِمَّا دَخَلَ وَالْفِطْرُ فِي الصَّوْمِ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ.
وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ ﵁ قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ يَكُونُ مَخْصُوصًا بِحَدِيثِ الِاسْتِقَاءِ أَوْ الْفِطْرِ فِيهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَعُودُ شَيْءٌ وَإِنْ قَلَّ حَتَّى لَا يُحِسَّ بِهِ، كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَرِيبٍ (قَوْلُهُ وَلِوُجُودِ مَعْنَى الْفِطْرِ) قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْفِطْرُ إلَّا بِصُورَتِهِ أَوْ مَعْنَاهُ. وَقَدْ مَرَّ أَنَّ صُورَتَهُ الِابْتِلَاعُ. وَذَكَرَ أَنَّ مَعْنَاهُ وُصُولُ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ إلَى الْجَوْفِ فَاقْتَضَى فِيمَا لَوْ طُعِنَ بِرُمْحٍ أَوْ رُمِيَ بِسَهْمٍ فَبَقِيَ الْحَدِيدُ فِي بَطْنِهِ، أَوْ أَدْخَلَ خَشَبَةً فِي دُبُرِهِ وَغَيَّبَهَا، أَوْ احْتَشَتْ الْمَرْأَةُ فِي الْفَرْجِ الدَّاخِلِ أَوْ اسْتَنْجَى فَوَصَلَ الْمَاءُ إلَى دَاخِلِ دُبُرِهِ لِمُبَالَغَتِهِ فِيهِ عَدَمُ الْفِطْرِ لِفُقْدَانِ الصُّورَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ.
وَالْمَعْنَى وَهُوَ وُصُولُ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ مِنْ التَّغْذِيَةِ أَوْ التَّدَاوِي، لَكِنَّ الثَّابِتَ فِي مَسْأَلَتَيْ الطَّعْنَةِ وَالرَّمْيَةِ اخْتِلَافٌ، وَصَحَّحَ عَدَمَ الْإِفْطَارِ جَمَاعَةٌ. وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي ثُبُوتِ الْإِفْطَارِ فِيمَا بَعْدَهُمَا. بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ طَرَفُ الْخَشَبَةِ بِيَدِهِ وَطَرْفُ الْحَشْوَةِ فِي الْفَرْجِ الْخَارِجِ وَالْمَاءُ لَمْ يَصِلْ إلَى كَثِيرِ دَاخِلٍ فَإِنَّهُ لَا يَفْسُدُ. وَالْحَدُّ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْوُصُولِ إلَيْهِ الْفَسَادُ قَدْرُ الْمِحْقَنَةِ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَقَلَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ اهـ. نَعَمْ لَوْ خَرَجَ سُرْمُهُ فَغَسَلَهُ ثَبَتَ ذَلِكَ الْوُصُولُ بِلَا اسْتِبْعَادٍ.
فَإِنْ قَامَ قَبْلَ أَنْ يُنَشِّفَهُ فَسَدَ صَوْمُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا نَشَّفَهُ. لِأَنَّ الْمَاءَ اتَّصَلَ بِظَاهِرٍ ثُمَّ زَالَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْبَاطِنِ بِعَوْدِ الْمَقْعَدَةِ.
لَا يُقَالُ: الْمَاءُ فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ. لِأَنَّا نَقُولُ: ذَكَرُوا أَنَّ إيصَالَ الْمَاءِ إلَى هُنَاكَ يُوَرِّثُ دَاءً عَظِيمًا. لَا يُقَالُ: يُحْمَلُ قَوْلُهُمْ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ عَلَى مَاءِ بِحَيْثُ يَصْلُحُ بِهِ وَتَنْدَفِعُ بِهِ حَاجَتُهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَحْصُلُ عِنْدَهُ ضَرَرٌ أَحْيَانًا فَيَنْدَفِعُ إشْكَالُ الِاسْتِنْجَاءِ. لِأَنَّا نَقُولُ: قَدْ عَلَّلَ الْمُصَنِّفُ مَا اخْتَارَهُ مِنْ عَدَمِ الْفَسَادِ فِيمَا إذَا دَخَلَ الْمَاءُ أُذُنَهُ أَوْ أَدْخَلَهُ بِقَوْلِهِ لِانْعِدَامِ الْمَعْنَى وَالصُّورَةِ، وَذَلِكَ إفَادَةُ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى جَوْفِ دِمَاغِهِ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِمَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ مَا ذَكَرْت لَمْ يَصِحَّ هَذَا التَّعْلِيلُ.
وَبَسَطَهُ فِي الْكَافِي فَقَالَ: لِأَنَّ الْمَاءَ يَفْسُدُ بِمُخَالَطَةِ خَلْطٍ دَاخِلِ الْأُذُنِ فَلَمْ يَصِلْ إلَى الدِّمَاغِ شَيْءٌ يَصْلُحُ لَهُ فَلَا يَحْصُلُ مَعْنَى الْفِطْرِ فَلَا يَفْسُدُ، فَالْأَوْلَى تَفْسِيرُ الصُّورَةِ بِالْإِدْخَالِ بِصُنْعِهِ كَمَا هُوَ فِي عِبَارَة الْإِمَامِ قَاضِي خَانْ فِي تَعْلِيلِ مَا اخْتَارَهُ مِنْ ثُبُوتِ الْفَسَادِ إذَا أَدْخَلَ الْمَاءَ أُذُنَهُ لَا إذَا دَخَلَ بِغَيْرِ صُنْعِهِ كَمَا إذَا خَاضَ نَهْرًا حَيْثُ قَالَ: إذَا خَاضَ الْمَاءَ فَدَخَلَ أُذُنَهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ. وَإِنْ صَبَّ الْمَاءَ فِيهَا اخْتَلَفُوا فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute