للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَوَصَلَ إلَى جَوْفِهِ أَوْ دِمَاغِهِ أَفْطَرَ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَاَلَّذِي يَصِلُ هُوَ الرَّطْبُ، وَقَالَا: لَا يُفْطِرُ لِعَدَمِ التَّيَقُّنِ بِالْوُصُولِ لِانْضِمَامِ الْمَنْفَذِ مَرَّةً وَاتِّسَاعِهِ أُخْرَى، كَمَا فِي الْيَابِسِ مِنْ الدَّوَاءِ. وَلَهُ أَنَّ رُطُوبَةَ الدَّوَاءِ تَلَاقِي رُطُوبَةَ الْجِرَاحَةِ فَيَزْدَادُ مَيْلًا إلَى الْأَسْفَلِ فَيَصِلُ إلَى الْجَوْفِ، بِخِلَافِ الْيَابِسِ لِأَنَّهُ يُنَشِّفُ رُطُوبَةَ الْجِرَاحَةِ فَيَنْسَدُّ فَمُهَا

وَالصَّحِيحُ هُوَ الْفَسَادُ لِأَنَّهُ مُوَصِّلٌ إلَى الْجَوْفِ بِفِعْلِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ، كَمَا لَوْ أَدْخَلَ خَشَبَةً وَغَيَّبَهَا إلَى آخِرِ كَلَامِهِ، وَبِهِ تَنْدَفِعُ الْإِشْكَالَاتُ، وَيَظْهَرُ أَنَّ الْأَصَحَّ فِي الْمَاءِ التَّفْصِيلُ الَّذِي اخْتَارَهُ الْقَاضِي فَعَلَى هَذَا فَاعْتِبَارُ مَا بِهِ مِنْ الصَّلَاحِ فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى الْفِطْرِ إمَّا عَلَى مَعْنَى مَا بِهِ فِي نَفْسِهِ كَمَا أَوْرَدْنَاهُ فِي السُّؤَالِ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ تَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ لِتَعْمِيمِ عَدَمِ الْإِفْسَادِ فِي دُخُولِ الْمَاءِ الْأُذُنَ فَيَصِحُّ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِيهِ.

وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَازِمٌ فِيمَا لَوْ احْتَقَنَ بِحُقْنَةٍ ضَارَّةٍ بِخُصُوصِ مَرَضِ الْمُحْتَقِنِ أَوْ أَكَلَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَهُوَ فِي غَايَةِ الشِّبَعِ وَالِامْتِلَاءِ قَرِيبًا مِنْ التُّخَمَةِ، فَإِنَّ الْأَكْلَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُضِرٌّ وَمَعَ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ فَضْلًا عَنْ الْقَضَاءِ الْكَفَّارَةُ، وَأَمَّا عَلَى حَقِيقَةِ الْإِصْلَاحِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْكَافِي وَالْمُصَنِّفِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَلْزَمُ تَعْمِيمُ الْفَسَادِ فِي الْمَاءِ الدَّاخِلِ فِي الْأُذُنِ، وَعَلَى الثَّانِي يَلْزَمُ تَعْمِيمُ عَدَمِهِ فِيهِ. وَهَذَا وَلَوْ أَدْخَلَ الْإِصْبَعَ فِي دُبُرِهِ أَوْ فَرْجِهَا الدَّاخِلِ لَا يَفْسُدُ الصَّوْمُ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَبْلُولَةً بِمَاءٍ أَوْ دُهْنٍ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَالْقَضَاءُ.

(قَوْلُهُ: فَوَصَلَ) أَيْ الدَّوَاءُ (إلَى جَوْفِهِ) يَرْجِعُ إلَى الْجَائِفَةِ لِأَنَّهَا الْجِرَاحَةُ فِي الْبَطْنِ (أَوْ دِمَاغِهِ) يَرْجِعُ إلَى الْآمَّةِ لِأَنَّهَا الْجِرَاحَةُ فِي الرَّأْسِ مِنْ أَمَمْته بِالْعَصَا ضَرَبْت أُمَّ رَأْسِهِ وَهِيَ الْجِلْدَةُ الَّتِي هِيَ مَجْمَعُ الرَّأْسِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا تَحْرِيرَ فِي الْعِبَارَةِ لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ أَخَذَ الْوُصُولَ فِي صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ يَمْتَنِعُ نَقْلُ الْخِلَافِ فِيهِ، وَإِذًا لَا خِلَافَ فِي الْإِفْطَارِ عَلَى تَقْدِيرِ الْوُصُولِ، إنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ الدَّوَاءُ رَطْبًا فَقَالَ: يُفْطِرُ لِلْوُصُولِ عَادَةً، وَقَالَا: لَا لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ فَلَا يُفْطِرُ بِالشَّكِّ، وَهُوَ يَقُولُ: سَبَبُ الْوُصُولِ قَائِمٌ وَتَقْرِيرُهُ ظَاهِرٌ مِنْ الْكِتَابِ، وَهُوَ دَلِيلُ الْوُصُولِ فَيَحْكُمُ بِهِ نَظَرًا إلَى الدَّلِيلِ إذْ قَدْ يَخْفَى حَقِيقَةُ الْمُسَبَّبِ بِخِلَافِ الْيَابِسِ، إذْ لَمْ يَثْبُتْ دَلِيلُ الْوُصُولِ فِيهِ لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ.

وَإِذَا حَقَّقْت هَذَا التَّصْوِيرَ عَلِمْت أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ لَا يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ أَكْثَرُ مَشَايِخِ بُخَارَى، كَمَا يُعْطِيهِ ظَاهِرُ عِبَارَةِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ حَيْثُ قَالَ: فَرَّقَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ، وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْوُصُولِ حَتَّى إذَا عَلِمَ أَنَّ الْيَابِسَ وَصَلَ فَسَدَ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الطَّرِيَّ لَمْ يَصِلْ لَمْ يَفْسُدْ إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ الرَّطْبَ وَالْيَابِسَ بِنَاءً عَلَى الْعَادَةِ، فَإِنَّهُ لَمَّا بَنَى الْفَسَادَ فِي الرَّطْبِ عَلَى الْوُصُولِ نَظَرًا إلَى دَلِيلِهِ عَلِمَ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ عَدَمَ الْوُصُولِ لَا يَفْسُدُ لِتَحَقُّقِ خِلَافِ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ وَلَا امْتِنَاعَ فِيهِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالدَّلِيلِ الْأَمَارَةُ وَهِيَ مَا قَدَّمَ يَجْزِمُ بِتَخَلُّفِ مُتَعَلِّقِهَا مَعَ قِيَامِهَا، كَوُقُوفِ بَغْلَةِ الْقَاضِي عَلَى بَابِهِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي دَارِهِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ خِلَافَ مُقْتَضَاهُ، فَإِنَّ الظَّنَّ حِينَئِذٍ بِثُبُوتِهِ فَالْقِسْمَانِ اللَّذَانِ ذَكَرُوهُمَا لَا خِلَافَ فِيهِمَا، وَالْحَصْرُ فِيهِمَا مُنْتَفٍ إذْ بَقِيَ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ يَقِينًا أَحَدَهُمَا، وَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ فَأَفْسَدَهُ حُكْمًا بِالْوُصُولِ نَظَرًا إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>