للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبِخِلَافِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ حَرْبِيَّةً؛ وَلِهَذَا لَا تُقْتَلُ.

(فَإِنْ عَادَ الْمُرْتَدُّ بَعْدَ الْحُكْمِ بِلَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مُسْلِمًا فَمَا وَجَدَهُ فِي يَدِ وَرَثَتِهِ مِنْ مَالِهِ بِعَيْنِهِ أَخَذَهُ)؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ إنَّمَا يَخْلُفُهُ فِيهِ لِاسْتِغْنَائِهِ، وَإِذَا عَادَ مُسْلِمًا احْتَاجَ إلَيْهِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا أَزَالَهُ الْوَارِثُ عَنْ مِلْكِهِ، وَبِخِلَافِ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرِيهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ قَدْ صَحَّ بِدَلِيلٍ مُصَحَّحٍ فَلَا يُنْقَضُ، وَلَوْ جَاءَ مُسْلِمًا قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي بِذَلِكَ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا لِمَا ذَكَرْنَا.

لِبَقَاءِ عِصْمَةِ مَالِهِ لِقِيَامِ سَبَبِهَا، وَلِهَذَا لَوْ قَتَلَ الْقَاتِلَ غَيْرُ وَلِيِّ الْقِصَاصِ قُتِلَ بِهِ، وَإِنَّمَا يُقْتَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَا هُوَ مِنْ حُقُوقِ تِلْكَ الْعِصْمَةِ (بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ حَرْبِيَّةً وَلِهَذَا لَا تُقْتَلُ) قَالَ أَبُو الْيُسْرِ: مَا قَالَاهُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يَقْبَلُ الرِّقَّ، وَالْقَهْرُ يَكُونُ حَقِيقِيًّا لَا حُكْمِيًّا، وَالْمِلْكُ يَبْطُلُ بِالْقَهْرِ الْحُكْمِيِّ لَا الْحَقِيقِيِّ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى لَا يَبْطُلُ مِلْكُ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ بِالرَّجْمِ.

وَحَاصِلُ مُرَادِهِ أَنَّ الْمُنَافِيَ لِلْمِلْكِ الِاسْتِرْقَاقُ لَيْسَ غَيْرُ لَكِنَّهُ مَمْنُوعٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، بَلْ نَقُولُ: إنَّمَا أَوْجَبَ الِاسْتِرْقَاقُ ذَلِكَ فِي الْأَصْلِ لِلْقَهْرِ الْكَائِنِ بِسَبَبِ حِرَابَتِهِ. وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْمُرْتَدِّ فَيَثْبُتُ فِيهِ ذَلِكَ بِطَرِيقٍ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الرِّقَّ يُتَصَوَّرُ مَعَهُ مِلْكُ النِّكَاحِ، بِخِلَافِ قَهْرِ الْمُرْتَدِّ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ عَادَ الْمُرْتَدُّ بَعْدَ الْحُكْمِ بِلَحَاقِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مُسْلِمًا فَمَا وَجَدَهُ فِي يَدِ وَرَثَتِهِ مِنْ مَالِهِ بِعَيْنِهِ) نَقْدًا أَوْ عَرَضًا (أَخَذَهُ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ إنَّمَا يَخْلُفُهُ فِيهِ لِاسْتِغْنَائِهِ) عَنْهُ بِالْمَوْتِ الْمَحْكُومِ بِهِ (وَإِذَا عَادَ مُسْلِمًا) فَقَدْ أَحْيَاهُ اللَّهُ تَعَالَى حَيَاةً جَدِيدَةً. وَلِذَا قُلْنَا فِي الْمُرْتَدَّةِ الْمُتَزَوِّجَةِ إذَا لَحِقَتْ وَعَادَتْ مُسْلِمَةً عَنْ قَرِيبٍ تَتَزَوَّجُ مِنْ سَاعَتِهَا؛ لِأَنَّهَا فَارِغَةٌ مِنْ النِّكَاحِ وَالْعِدَّةِ كَأَنَّهَا حَيِيَتْ الْآنَ. قَالَ تَعَالَى ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ﴾ فَإِذَا حَيِيَ (احْتَاجَ إلَيْهِ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْوَارِثِ) وَعَلَى هَذَا لَوْ أَحْيَا اللَّهُ مَيِّتًا حَقِيقَةً وَأَعَادَهُ إلَى دَارِ الدُّنْيَا كَانَ لَهُ أَخْذُ مَا فِي يَدِ وَرَثَتِهِ (بِخِلَافِ مَا أَزَالَهُ الْوَارِثُ عَنْ مِلْكِهِ) سَوَاءٌ كَانَ بِسَبَبٍ يَقْبَلُ الْفَسْخَ كَبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ لَا يَقْبَلُهُ كَعِتْقٍ وَتَدْبِيرٍ وَاسْتِيلَادٍ فَإِنَّهُ يَمْضِي وَلَا عَوْدَ لَهُ فِيهِ وَلَا يَضْمَنُهُ.

(وَبِخِلَافِ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرِيهِ) لَا يَعُودُونَ فِي الرِّقِّ (لِأَنَّ الْقَضَاءَ) بِعِتْقِهِمْ (قَدْ صَحَّ بِدَلِيلٍ مُصَحَّحٍ) لَهُ وَهُوَ اللَّحَاقُ مُرْتَدًّا؛ لِأَنَّهُ كَالْمَوْتِ الْحَقِيقِيِّ فَنَفَذَ، وَالْعِتْقُ بَعْدَ نَفَاذِهِ لَا يَقْبَلُ الْبُطْلَانَ وَوَلَاؤُهُمْ لِمَوْلَاهُمْ: أَعْنِي الْمُرْتَدَّ الَّذِي عَادَ مُسْلِمًا، هَذَا إذَا جَاءَ مُسْلِمًا بَعْدَ الْحُكْمِ بِاللَّحَاقِ، فَلَوْ جَاءَ مُسْلِمًا قَبْلَ الْحُكْمِ بِاللَّحَاقِ (فَكَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا) كَأَنَّهُ لَمْ يَرْتَدَّ قَطُّ (لِمَا ذَكَرْنَا)

<<  <  ج: ص:  >  >>