للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَصِحُّ كَمَا تَصِحُّ مِنْ الْمَرِيضِ؛ لِأَنَّ مَنْ انْتَحَلَ إلَى نِحْلَةٍ لَا سِيَّمَا مُعْرِضًا عَمَّا نَشَأَ عَلَيْهِ قَلَّمَا يَتْرُكُهُ فَيُفْضِي إلَى الْقَتْلِ ظَاهِرًا، بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ مَقْهُورٌ تَحْتَ أَيْدِينَا عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِي تَوَقُّفِ الْمِلْكِ وَتَوَقُّفُ التَّصَرُّفَاتِ بِنَاءً عَلَيْهِ، وَصَارَ كَالْحَرْبِيِّ يَدْخُلُ دَارَنَا بِغَيْرِ أَمَانٍ فَيُؤْخَذُ وَيُقْهَرُ وَتَتَوَقَّفُ تَصَرُّفَاتُهُ؛ لِتَوَقُّفِ حَالِهِ، فَكَذَا الْمُرْتَدُّ، وَاسْتِحْقَاقُهُ الْقَتْلَ لِبُطْلَانِ سَبَبِ الْعِصْمَةِ فِي الْفَصْلَيْنِ فَأَوْجَبَ خَلَلًا فِي الْأَهْلِيَّةِ، بِخِلَافِ الزَّانِي وَقَاتِلِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ فِي ذَلِكَ جَزَاءٌ عَلَى الْجِنَايَةِ.

وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَصِحُّ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا تَصِحُّ مِنْ الْمَرِيضِ؛ لِأَنَّ مَنْ انْتَحَلَ نِحْلَةً لَا سِيَّمَا) إذَا كَانَ بِهَا (مُعْرِضًا عَمَّا نَشَأَ عَلَيْهِ قَلَّمَا يَتْرُكُهُ) فَكَانَ بِذَلِكَ عَلَى شَرَفِ الْهَلَاكِ كَالْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ، إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ بِيَدِهِ دَفْعُ الْقَتْلِ عَنْهُ وَالْمَوْتُ عَلَى ذَلِكَ بِتَجْدِيدِ الْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ الْمَرِيضِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ مَقْهُورٌ تَحْتَ أَيْدِينَا عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِي تَوَقُّفِ الْمِلْكِ) أَيْ عَوْدِهِ لِمَا حَرَّرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَزُولُ مِلْكُهُ بِرِدَّتِهِ ثُمَّ يَعُودُ بِعَوْدِهِ إلَى الْإِسْلَامِ مِنْ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ مَقْهُورٌ نَفْسُهُ وَمَالُهُ تَحْتَ أَيْدِينَا (وَتُوقَفُ التَّصَرُّفَاتُ بِنَاءً عَلَيْهِ) فَإِنَّ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةَ الْمَذْكُورَةَ تُوجِبُ أَمْلَاكًا لِمَنْ قَامَتْ بِهِ، وَزَوَالُ أَمْلَاكٍ مِثْلُ الْبَيْعِ يُوجِبُ أَنْ يَمْلِكَ الْمَبِيعَ وَأَنْ يَخْرُجَ مِنْ مِلْكِهِ الثَّمَنُ وَالْإِجَارَةُ كَذَلِكَ، وَالْفَرْضُ أَنْ لَيْسَ مَعَ الرِّدَّةِ مِلْكٌ فَامْتَنَعَ إفَادَةُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ أَحْكَامَهَا فِي الْحَالِ، فَإِنْ أَسْلَمَ أَفَادَتْهُ حِينَ وَقَعَتْ وَهَذَا مَعْنَى التَّوَقُّفِ (فَصَارَ) الْمُرْتَدُّ (كَالْحَرْبِيِّ يَدْخُلُ دَارَنَا بِلَا أَمَانٍ فَيُؤْخَذُ) أَيْ يُؤْسَرُ (فَتَتَوَقَّفُ تَصَرُّفَاتُهُ لِتَوَقُّفِ حَالِهِ) حَيْثُ كَانَ لِلْإِمَامِ الْخِيَارُ بَيْنَ اسْتِرْقَاقِهِ وَقَتْلِهِ، فَإِنْ قُتِلَ أَوْ أُسِرَ لَمْ تَنْفُذْ مِنْهُ هَذِهِ أَوْ أَسْلَمَ لَمْ يُؤْخَذْ لَهُ مَالٌ (فَكَذَا الْمُرْتَدُّ) وَقَوْلُهُ (وَاسْتِحْقَاقُ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْمُرْتَدُّ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كَالْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ بِالْقِصَاصِ وَالرَّجْمِ؛ لِأَنَّهُ مَقْهُورٌ تَحْتَ أَيْدِينَا لِلْقَتْلِ عَيْنًا خُصُوصًا فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ لَهُ حَالَةٌ غَيْرُ الْقَتْلِ، بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ فَإِنَّ غَيْرَهَا مُحْتَمَلٌ فِي حَقِّهِ لِاحْتِمَالِ إسْلَامِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَزُولُ مِلْكُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ مَالِهِ وَتَصَرُّفَاتُهُمَا نَافِذَةٌ.

فَأَجَابَ بِالْفَرْقِ (بِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْقَتْلِ فِي الْفَصْلَيْنِ) أَيْ الْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ (لِبُطْلَانِ الْعِصْمَةِ) بِانْتِفَاءِ سَبَبِهَا وَهُوَ الْإِسْلَامُ (فَأَوْجَبَ خَلَلًا فِي الْأَهْلِيَّةِ، بِخِلَافِ الزَّانِي وَالْقَاتِلِ عَمْدًا؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْقَتْلِ بِذَلِكَ السَّبَبِ جَزَاءٌ عَلَى الْجِنَايَةِ) مَعَ بَقَاءِ سَبَبِ الْعِصْمَةِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ فَيَبْقَى مَالِكًا حَقِيقَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>