. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَلَا يُحَدُّ فِي ذَلِكَ حَدًّا فَتَسْقُطُ النَّفَقَةُ. ثُمَّ الْعَوْدُ إنْشَاءُ سَفَرٍ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ وَلَوْ بَعْدَ يَوْمَيْنِ فَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ النَّفَقَةَ عَلَى الْمَيِّتِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
وَصَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بَعْدَ نَقْلِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَقَالَ: وَهَذَا إذَا لَمْ يَتَّخِذْ مَكَّةَ دَارًا فَأَمَّا إذَا اتَّخَذَهَا دَارًا ثُمَّ عَادَ لَا تَعُودُ النَّفَقَةُ بِلَا خِلَافٍ، وَلَوْ كَانَ أَقَامَ بِهَا أَيَّامًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ قَالُوا: إنْ كَانَتْ إقَامَةً مُعْتَادَةً لَمْ تَسْقُطْ، وَإِنْ زَادَ عَلَى الْمُعْتَادِ سَقَطَتْ، وَلَوْ تَعَجَّلَ إلَى مَكَّةَ فَهِيَ فِي مَالِ نَفْسِهِ إلَى أَنْ يَدْخُلَ عَشْرُ ذِي الْحَجَّةِ فَتَصِيرُ فِي مَالِ الْآمِرِ، وَلَوْ سَلَكَ طَرِيقًا أَبْعَدَ مِنْ الْمُعْتَادِ إنْ كَانَ مِمَّا يَسْلُكُهُ النَّاسُ فَفِي مَالِ الْآمِرِ وَإِلَّا فَفِي مَالِ نَفْسِهِ وَمَا دَامَ مَشْغُولًا بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ الْحَجِّ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ، فَإِذَا فَرَغَ عَادَتْ فِي مَالِ الْمَيِّتِ، وَلَوْ كَانَ بَدَأَ بِالْعُمْرَةِ لِنَفْسِهِ ثُمَّ حَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ قَالُوا: يَضْمَنُ جَمِيعَ النَّفَقَةِ لِأَنَّهُ خَالَفَ الْأَمْرَ، وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: لَوْ ضَاعَتْ النَّفَقَةُ بِمَكَّةَ أَوْ بِقُرْبٍ مِنْهَا أَوْ لَمْ تَبْقَ: يَعْنِي فَنِيَتْ فَأَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي مَالِ الْمَيِّتِ وَإِنْ فَعَلَهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ، لِأَنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُ بِالْحَجِّ فَقَدْ أَمَرَهُ بِأَنْ يُنْفِقَ عَنْهُ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ بِأَسْطُرٍ إذَا قُطِعَ الطَّرِيقُ عَلَى الْمَأْمُورِ وَقَدْ أَنْفَقَ بَعْضَ الْمَالِ فِي الطَّرِيقِ فَمَضَى وَحَجَّ وَأَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا فَلَا يَسْقُطُ الْحَجُّ عَنْ الْمَيِّتِ لِأَنَّ سُقُوطَهُ بِطَرِيقِ التَّسَبُّبِ بِإِنْفَاقِ الْمَالِ فِي كُلِّ الطَّرِيقِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ سِوَى أَنَّهُ قَيَّدَ الْأُولَى بِكَوْنِ ذَلِكَ الضَّيَاعِ بِمَكَّةَ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا، لَكِنَّ الْمَعْنَى الَّذِي عَلَّلَ بِهِ يُوجِبُ اتِّفَاقَ الصُّورَتَيْنِ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ الرُّجُوعُ، فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ وَتَبَرَّعَ بِهِ، إنْ كَانَ الْأَقَلَّ جَازَ وَإِلَّا فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَالِهِ، وَالْمُرَادُ بِالنَّفَقَةِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ طَعَامٍ وَمِنْهُ اللَّحْمُ وَشَرَابُهُ وَثِيَابُهُ وَرُكُوبُهُ وَثِيَابُ إحْرَامِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ أَحَدًا إلَى طَعَامِهِ وَلَا يَتَصَدَّقَ بِهِ وَلَا يُقْرِضَ أَحَدًا وَلَا يَصْرِفَ الدَّرَاهِمَ بِالدَّنَانِيرِ إلَّا لِحَاجَةٍ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ، وَلَا يَشْتَرِيَ مِنْهَا مَاءَ الْوُضُوءِ بَلْ يَتَيَمَّمَ وَلَا يَدْخُلَ الْحَمَّامَ.
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: لَهُ أَنْ يَدْخُلَهَا بِالْمُتَعَارَفِ: يَعْنِي مِنْ الزَّمَانِ، وَيُعْطِيَ أُجْرَةَ الْحَارِسِ مِنْ مَالِ الْآمِرِ، وَلَهُ أَنْ يَخْلِطَ دَرَاهِمَ النَّفَقَةِ مَعَ الرُّفْقَةِ وَيُودِعَ الْمَالَ. وَاخْتُلِفَ فِي شِرَاءِ دُهْنِ السِّرَاجِ وَالِادِّهَانِ، قِيلَ لَا، وَقِيلَ يَشْتَرِي دُهْنًا يَدَّهِنُ بِهِ لِإِحْرَامِهِ وَزَيْتًا لِلِاسْتِصْبَاحِ، وَلَا يَتَدَاوَى مِنْهُ وَلَا يَحْتَجِمُ وَلَا يُعْطِي أُجْرَةَ الْحَلَّاقِ إلَّا أَنْ يُوَسِّعَ عَلَيْهِ الْمَيِّتُ أَوْ الْوَارِثُ.
وَقِيَاسُ مَا فِي الْفَتَاوَى أَنْ يُعْطِيَ أُجْرَةَ الْحَلَّاقِ وَلَا يُنْفِقَ عَلَى مَنْ يَخْدُمُهُ إلَّا إذَا كَانَ مِمَّنْ لَا يَخْدُمُ نَفْسَهُ، وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ دَابَّةً يَرْكَبَهَا وَمَحْمَلًا وَقِرْبَةً وَإِدَاوَةً وَسَائِرَ الْآلَاتِ وَمَهْمَا فَضَلَ مِنْ الزَّادِ وَالْأَمْتِعَةِ يَرُدُّهُ عَلَى الْوَرَثَةِ أَوْ الْوَصِيِّ إلَّا أَنْ يَتَبَرَّعَ بِهِ الْوَارِثُ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ الْمَيِّتُ، وَهَذَا لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَصِيرُ مِلْكًا لِلْحَاجِّ بِالْإِحْجَاجِ وَإِنَّمَا يُنْفِقُ فِي ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ، لِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَهُ لَكَانَ بِالِاسْتِئْجَارِ، وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الطَّاعَاتِ.
وَعَنْ هَذَا قُلْنَا: لَوْ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ كَانَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِنَفْسِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ وَارِثًا أَوْ دَفَعَهُ إلَى وَارِثٍ لِيَحُجَّ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ وَهُمْ كِبَارٌ، لِأَنَّ هَذَا كَالتَّبَرُّعِ بِالْمَالِ فَلَا يَصِحُّ لِلْوَارِثِ إلَّا بِإِجَازَةِ الْبَاقِينَ.
وَلَوْ قَالَ الْمَيِّتُ لِلْوَصِيِّ: ادْفَعْ الْمَالَ لِمَنْ يَحُجَّ عَنِّي لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ مُطْلَقًا
وَإِذَا عَلِمَ هَذَا فَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ قَوْلِهِ: إذَا اسْتَأْجَرَ الْمَحْبُوسُ رَجُلًا لِيَحُجَّ عَنْهُ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ جَازَتْ الْحَجَّةُ عَنْ الْمَحْبُوسِ إذَا مَاتَ فِي الْحَبْسِ وَلِلْأَجِيرِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ مُشْكِلٌ، لَا جَرَمَ أَنَّ الَّذِي فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ أَبِي الْفَضْلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ: وَلَهُ نَفَقَةُ مِثْلِهِ هِيَ الْعِبَارَةُ الْمُحَرَّرَةُ، وَزَادَ إيضَاحَهَا فِي الْمَبْسُوطِ فَقَالَ: وَهَذِهِ النَّفَقَةُ لَيْسَ يَسْتَحِقُّهَا بِطَرِيقِ الْعِوَضِ بَلْ بِطَرِيقِ الْكِفَايَةِ لِأَنَّهُ فَرَّغَ نَفْسَهُ لِعَمَلٍ يَنْتَفِعُ الْمُسْتَأْجِرُ