للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِنْفَاقُ مُقَامَهُ كَالْفِدْيَةِ فِي بَابِ الصَّوْمِ.

قَالَ (وَمَنْ أَمَرَهُ رَجُلَانِ بِأَنْ يَحُجَّ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَجَّةً فَأَهَلَّ بِحَجَّةٍ عَنْهُمَا فَهِيَ عَنْ الْحَاجِّ وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ)

بِهِ، هَذَا وَإِنَّمَا جَازَ الْحَجُّ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَمَّا بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ بَقِيَ الْأَمْرُ بِالْحَجِّ فَيَكُونُ لَهُ نَفَقَةُ مِثْلِهِ. وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مَا فَضَلَ لِلْمَأْمُورِ مِنْ الثِّيَابِ وَالنَّفَقَةِ يَقُولُ لَهُ: وَكَّلْتُك أَنْ تَهَبَ الْفَضْلَ مِنْ نَفْسِك وَتَقْبِضَهُ لِنَفْسِك، فَإِنْ كَانَ عَلَى مَوْتٍ قَالَ: وَالْبَاقِي مِنِّي لَك وَصِيَّةٌ.

وَفِي الْفَتَاوَى: لَوْ حَجَّ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ مَاشِيًا وَأَمْسَكَ مَئُونَةَ الْكِرَاءِ كَانَ ضَامِنًا مَالَ الْمَيِّتِ وَالْحَجُّ لِنَفْسِهِ لِانْصِرَافِ الْأَمْرِ بِالْحَجِّ إلَى الْمُتَعَارَفِ وَهُوَ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ. وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُعْطِيَ بَعِيرَهُ هَذَا إلَى رَجُلٍ يَحُجُّ عَنْهُ فَأَكْرَاهُ الرَّجُلُ وَأَنْفَقَ الْكِرَاءَ عَلَى نَفْسِهِ فِي الطَّرِيقِ وَحَجَّ مَاشِيًا جَازَ عَنْ الْمَيِّتِ اسْتِحْسَانًا هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّهُ مَلَكَ أَنْ يَبِيعَهُ وَيَحُجَّ بِثَمَنِهِ فَكَذَا يَمْلِكُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ كَانَتْ الْأُجْرَةُ لَهُ وَلَا يَضْمَنُ كَالْغَاصِبِ، وَيَقَعُ الْحَجُّ عَنْ الْمَأْمُورِ فَيَتَضَرَّرُ الْمَيِّتُ بِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَمْلِكَ الْإِجَارَةَ نَظَرًا لِلْمَيِّتِ ثُمَّ يُؤَدِّيَ الْبَعِيرَ إلَى الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ مِلْكُ مُوَرِّثِهِمْ.

قَالَ أَبُو اللَّيْثِ فِي النَّوَازِلِ: وَعِنْدِي أَنَّ الْحَجَّ عَنْ نَفْسِهِ وَيَضْمَنُ نُقْصَانَ الْبَعِيرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ فَوَّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يَبِيعَ بَعِيرَهُ بِمِائَةٍ فَآجَرَهُ بِمِائَةٍ لَا يَجُوزُ فَكَذَا هَذَا اهـ. وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فُلَانٌ فَمَاتَ فُلَانٌ أَحَجُّوا عَنْهُ غَيْرَهُ. وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَأْمُورُ وَالْوَارِثُ أَوْ الْوَصِيُّ فَقَالَ وَقَدْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ مُنِعْت مِنْ الْحَجِّ وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ لَا يُصَدَّقُ وَيَضْمَنُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرًا ظَاهِرًا يَشْهَدُ عَلَى صِدْقِهِ لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ قَدْ ظَهَرَ فَلَا يُصَدَّقُ فِي دَفْعِهِ إلَّا بِأَمْرٍ ظَاهِرٍ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ.

وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ حَجَجْت وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ يَدَّعِيَ الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ مَا هُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْوَارِثِ أَوْ الْوَصِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْبَلَدِ إلَّا أَنْ يُقِيمَا عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهُ لَمْ يَحُجَّ. نَظِيرُهُ: قَالَ الْمُودِعُ دَفَعْتهَا إلَيْك بِمَكَّةَ وَأَقَامَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي ادَّعَى فِيهِ الدَّفْعَ بِمَكَّةَ بِالْكُوفَةِ لَمْ تَجُزْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَهَا عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهُ كَانَ بِالْكُوفَةِ. أَمَّا لَوْ كَانَ الْحَاجُّ مَدْيُونًا لِلْمَيِّتِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَحُجَّ بِمَالِهِ الَّذِي عَلَيْهِ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ يَدَّعِي قَضَاءَ الدَّيْنِ.

وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ: الْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْوَرَثَةِ مُطَالِبٌ بِدَيْنِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي حَقِّ غَرِيمِ الْمَيِّتِ إلَّا بِالْحَجَّةِ.

وَفِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ: أَوْصَى رَجُلًا أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ وَلَمْ يُقَدَّرْ فِيهِ شَيْئًا وَالْوَصِيُّ إنْ أَعْطَى لِلْحَاجِّ فِي مَحْمَلٍ احْتَاجَ إلَى أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ أَوْ رَاكِبًا لَا فِي مَحْمَلٍ يَكْفِيهِ الْأَقَلُّ وَالْأَكْثَرُ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ يَجِبُ الْأَقَلُّ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ.

وَلَوْ مَرِضَ الْحَاجُّ عَنْ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ إلَى غَيْرِهِ لِيَحُجَّ بِهِ، إلَّا إذَا قَالَ لَهُ الدَّافِعُ اصْنَعْ مَا شِئْت: فَهَذِهِ فَوَائِدُ مُهِمَّةٌ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهَا قَدَّمْنَاهَا أَمَامَ مَا فِي الْكِتَابِ تَتْمِيمًا أَوْ تَكْمِيلًا لِفَائِدَتِهِ.

وَلْنَرْجِعْ إلَى الشَّرْحِ (قَوْلُهُ وَمَنْ أَمَرَهُ رَجُلَانِ إلَخْ) صُوَرُ الْإِبْهَامِ هُنَا أَرْبَعَةٌ: أَنْ يُهِلَّ بِحَجَّةٍ عَنْهُمَا، أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْإِبْهَامِ. أَوْ يُهِلَّ بِحَجَّةٍ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ، أَوْ يُحْرِمَ عَنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ بِلَا تَعْيِينٍ لِمَا أَحْرَمَ بِهِ. فَفِي الْأُولَى قَالَ هِيَ عَنْ الْحَاجِّ وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ. وَفِي الثَّانِيَةِ قَالَ إنْ مَضَى عَلَى ذَلِكَ إلَخْ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الْأَعْمَالِ فَالْأَمْرُ مَوْقُوفٌ لَمْ يَنْصَرِفْ الْإِحْرَامُ إلَى نَفْسِهِ وَلَا إلَى وَاحِدٍ مِنْ الْآمِرِينَ، فَإِنْ عَيَّنَ أَحَدَهُمَا قَبْلَ الْوُقُوفِ انْصَرَفَ إلَيْهِ وَإِلَّا انْصَرَفَ إلَى نَفْسِهِ وَضَمِنَ النَّفَقَةَ. وَفِي الثَّالِثَةِ قَالَ فِي الْكَافِي: لَا نَصَّ فِيهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>