للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَقَدْ أَطْلَقَ عَلَى فِعْلِهَا الْحَجَّ كَوْنَهُ عَنْهُ، وَكَذَا قَوْلُهُ لِلرَّجُلِ «حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

وَأَمَّا الْفُرُوعُ فَإِنَّ الْمَأْمُورَ لَا يُسْقِطُ عَنْهُ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ بِهَذِهِ الْحَجَّةِ، فَلَوْ كَانَتْ عَنْهُ لَسَقَطَتْ، إذْ الْفَرْضُ أَنَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ تَتَأَدَّى بِإِطْلَاقِ النِّيَّةِ وَتَلْغُو الْجِهَةُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ. وَلَمْ يَسْتَدِلَّ فِي الْبَدَائِعِ بَعْدَ حَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ سِوَى بِاحْتِيَاجِ النَّائِبِ إلَى إسْنَادِ الْحَجِّ إلَى الْمَحْجُوجِ عَنْهُ فِي النِّيَّةِ، وَلَوْ لَمْ يَقَعْ نَفْسُ الْحَجِّ عَنْ الْآمِرِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى نِيَّتِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ شَرْطَ الْإِجْزَاءِ كَوْنُ أَكْثَرِ النَّفَقَةِ مِنْ مَالِ الْآمِرِ، وَالْقِيَاسُ كَوْنُ الْكُلِّ مِنْ مَالِهِ إلَّا أَنَّ فِي الْتِزَامِ ذَلِكَ حَرَجًا بَيِّنًا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَسْتَصْحِبُ الْمَالَ لَيْلًا وَنَهَارًا فِي كُلِّ حَرَكَةٍ، وَقَدْ يَحْتَاجُ إلَى شَرْبَةِ مَاءٍ وَكِسْرَةِ خُبْزٍ فِي بَغْتَةٍ فَأَسْقَطْنَا اعْتِبَارَ الْقَلِيلِ اسْتِحْسَانًا وَاعْتَبَرْنَا الْأَكْثَرَ إذْ لَهُ حُكْمُ الْكُلِّ، فَإِنْ أَنْفَقَ الْأَكْثَرَ أَوْ الْكُلَّ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَفِي الْمَالِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ وَفَاءٌ لِحَجِّهِ رَجَعَ بِهِ فِيهِ، إذْ قَدْ يُبْتَلَى بِالْإِنْفَاقِ فِي مَالِ نَفْسِهِ لِبَغْتَةِ الْحَاجَةِ وَلَا يَكُونُ الْمَالُ حَاضِرًا فَيَجُوزُ ذَلِكَ، كَالْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ يَشْتَرِي لِلْيَتِيمِ وَيُعْطِي الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ، وَحِينَئِذٍ لَا يَشْكُلُ مَا فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ لَوْ قَالَ: أَحِجُّوا فُلَانًا حَجَّةً وَلَمْ يَقُلْ عَنِّي وَلَمْ يُسَمِّ، كَمْ يُعْطِي؟ قَالَ: يُعْطِي قَدْرَ مَا يَحُجُّ بِهِ، وَلَهُ أَنْ لَا يَحُجَّ بِهِ إذَا أَخَذَهُ وَيَصْرِفَهُ إلَى حَاجَةٍ أُخْرَى.

قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ لِأَنَّهُ لَمَّا أُمِرَ بِذَلِكَ إنَّمَا جُعِلَ الْحَجُّ عِيَارٌ لِمَا أَوْصَى لَهُ بِهِ مِنْ الْمَالِ، ثُمَّ أَشَارَ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ صَحِيحَةً وَمَشُورَتُهُ غَيْرُ مُلْزِمَةٍ، فَإِنْ شَاءَ حَجَّ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَحُجَّ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنَّمَا أَوْصَى لَهُ بِمَالٍ يَبْلُغُ أَنْ يَحُجَّ بِهِ.

وَفِي غَرِيبِ الرِّوَايَةِ لِلسَّيِّدِ الْإِمَامِ بْنِ شُجَاعٍ: رَجُلٌ أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ فَحَجَّ عَنْهُ ابْنُهُ لِيَرْجِعَ فِي التَّرِكَةِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَالدَّيْنِ إذَا قَضَاهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ. وَلَوْ حَجَّ عَلَى أَنْ لَا يَرْجِعَ لَا يَجُوزُ عَنْ الْمَيِّتِ، وَيَتَخَايَلُ خِلَافَهُ.

فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ قَالَ: إذَا أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بَعْضُ وَرَثَتِهِ فَأَجَازَ سَائِرُ الْوَرَثَةِ وَهُمْ كِبَارٌ جَازَ، وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا أَوْ غُيَّبًا كِبَارًا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ هَذَا يُشْبِهُ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ بِالنَّفَقَةِ فَلَا تَجُوزُ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ اهـ فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا أَمَرَهُ بَاقِي الْوَرَثَةِ بِذَلِكَ. وَالنَّفَقَةُ الْمَشْرُوطَةُ مَا تَكْفِيهِ لِذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ لِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ عَامِلٌ لِلْمَيِّتِ.

وَلَوْ تَوَطَّنَ مَكَّةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بَطَلَتْ نَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ تَوَطَّنَ حِينَئِذٍ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَ فَإِنَّهُ مُسَافِرٌ عَلَى حَالِهِ.

وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: إذَا أَقَامَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ فَهِيَ فِي مَالِ نَفْسِهِ لِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ إلَى الثَّلَاثِ لِلِاسْتِرَاحَةِ لَا لِلْأَكْثَرِ قَالُوا: هَذَا فِي زَمَانِهِمْ، إذْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ مَتَى شَاءَ، أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا إلَّا مَعَ النَّاسِ، فَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ مَقَامُهُ بِمَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا لِانْتِظَارِ قَافِلَتِهِ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ إلَّا مَعَهُمْ فَلَمْ يَكُنْ مُتَوَطِّنًا لِحَاجَةِ نَفْسِهِ، فَإِنْ أَقَامَ بَعْدَ خُرُوجِهَا فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِ نَفْسِهِ، فَإِنْ بَدَا لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَرْجِعَ رَجَعَتْ نَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ كَانَ اسْتَحَقَّ نَفَقَةَ الرُّجُوعِ فِي مَالِ الْمَيِّتِ، فَهُوَ كَالنَّاشِزَةِ إذَا عَادَتْ إلَى الْمَنْزِلِ، وَالْمُضَارِبِ إذَا أَقَامَ فِي بَلْدَتِهِ أَوْ بَلْدَةٍ أُخْرَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِحَاجَةِ نَفْسِهِ لَمْ يُنْفِقْ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، فَإِنْ خَرَجَ مُسَافِرًا بَعْدَ ذَلِكَ عَادَتْ فِيهِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا تَعُودُ نَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ فِي الرُّجُوعِ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ لَا لِلْمَيِّتِ، لَكِنَّا قُلْنَا: إنَّ أَصْلَ سَفَرِهِ كَانَ لِلْمَيِّتِ فَمَا بَقِيَ ذَلِكَ السَّفَرُ بَقِيَتْ النَّفَقَةُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ أَنَّهُ إنْ نَوَى الْإِقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا سَقَطَتْ، فَإِنْ عَادَ عَادَتْ، وَإِنْ تَوَطَّنَهَا سَوَاءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ لَا تَعُودُ. وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ التَّوَطُّنَ غَيْرُ مُجَرَّدِ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يَتَّخِذَهَا وَطَنًا،

<<  <  ج: ص:  >  >>