. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ظَهَرَ انْتِفَاءُ شَرْطِ الرُّخْصَةِ، فَلِذَا لَوْ أَحَجَّ عَنْهُ غَيْرُهُ لِمَرَضٍ يُرْجَى زَوَالُهُ أَوَّلًا، أَوْ كَانَ مَحْبُوسًا كَانَ أَمْرُهُ مُرَاعًى إنْ اسْتَمَرَّ بِذَلِكَ الْمَانِعِ حَتَّى مَاتَ ظَهَرَ أَنَّهُ وَقَعَ مُجْزِيًا، وَإِنْ عُوفِيَ أَوْ خُلِّصَ مِنْ السِّجْنِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مُجْزِيًا وَظَهَرَ وُجُوبُ الْمُبَاشَرَةِ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ أَحَجَّ صَحِيحٌ غَيْرَهُ ثُمَّ عَجَزَ لَا يَجْزِيهِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ أَذِنَ قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ.
وَلَا يَتَخَايَلُ خِلَافُ هَذَا مِمَّا فِي الْفَتَاوَى أَيْضًا، قَالَ: إذَا قَالَ رَجُلٌ لِلَّهِ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ حَجَّةً فَأَحَجَّ عَنْهُ ثَلَاثِينَ نَفْسًا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، إنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ وَقْتُ الْحَجِّ جَازَ عَنْ الْكُلِّ لِأَنَّهُ لَمْ تُعْرَفْ قُدْرَتُهُ بِنَفْسِهِ عِنْدَ مَجِيءِ وَقْتِ الْحَجِّ فَجَازَ، وَإِنْ جَاءَ وَقْتُ الْحَجِّ وَهُوَ يَقْدِرُ بَطَلَتْ حَجَّتُهُ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ بِنَفْسِهِ عَلَيْهَا فَانْعَدَمَ شَرْطُ صِحَّةِ الْإِحْجَاجِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ.
وَعَلَى هَذَا كُلُّ سَنَةٍ تَجِيءُ وَفِيهَا الْمَرْأَةُ إذَا لَمْ تَجِدْ مُحْرِمًا لَا تَخْرُجُ إلَى الْحَجِّ إلَى أَنْ تَبْلُغَ الْوَقْتَ الَّذِي تَعْجِزَ عَنْ الْحَجِّ فِيهِ فَحِينَئِذٍ تَبْعَثَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهَا، أَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ لِتَوَهُّمِ وُجُودِ الْمُحْرِمِ، فَإِنْ بَعَثَتْ رَجُلًا إنْ دَامَ عَدَمُ وُجُودِ الْمُحْرِمِ إلَى أَنْ مَاتَتْ فَذَلِكَ جَائِزٌ كَالْمَرِيضِ إذَا أَحَجَّ عَنْهُ رَجُلًا وَدَامَ الْمَرَضُ إلَى أَنْ مَاتَ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ كَوْنِ شَرْطِ الْإِحْجَاجِ عَنْ الْفَرِيضَةِ مَجِيءُ الْوَقْتِ وَهُوَ قَادِرٌ فَلَا يَحُجُّ حَتَّى يَعْرِضَ الْمَانِعُ وَيَدُومَ إلَى الْمَوْتِ، فَلَوْ أَوْصَى قَبْلَ الْوَقْتِ فَمَاتَ لَا يَصِحُّ.
وَقَدَّمْنَا مِنْ اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ فِي نَصْرَانِيٍّ أَسْلَمَ أَوْ صَبِيٍّ بَلَغَ فَمَاتَ قَبْلَ إدْرَاكِ الْوَقْتِ وَأَوْصَيَا بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ لِمَا قُلْنَا، وَجَائِزَةٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ السَّبَبَ تَقَرَّرَ فِي حَقِّهِمَا وَالْوَقْتُ شَرْطُ الْأَدَاءِ، وَفِيهِ نَظَرٌ أَوَّلًا فِي كَوْنِهِ شَرْطِ الْأَدَاءِ بَلْ هُوَ شَرْطُ الْوُجُوبِ. وَالسَّبَبُ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْبَيْتُ لَكِنَّ الْمُوصَى بِهِ لَيْسَ مُطْلَقَ الْحَجِّ لِيَلْزَمَ الْوَرَثَةَ إنْ وَسِعَ الثُّلُثُ بَلْ الْحَجُّ الْفَرْضُ وَقَدْ تَحَقَّقْنَا عَدَمَهُ عَلَيْهِمَا إلَى أَنْ مَاتَا، فَقَوْلُ زُفَرَ أَنْظُرُ.
وَفِي الْبَدَائِعِ. لَوْ كَانَ فَقِيرًا صَحِيحَ الْبَدَنِ لَا يَجُوزُ حَجُّ غَيْرِهِ عَنْهُ لِأَنَّ الْمَالَ شَرْطُ الْوُجُوبِ، فَإِذْ لَا مَالَ لَا وُجُوبَ فَلَا يَنُوبُ عَنْهُ غَيْرُهُ فِي أَدَاءِ الْوَاجِبِ وَلَا وَاجِبَ حِينَئِذٍ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
أَمَّا الْحَجُّ النَّفَلُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَجْزُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وَاحِدَةً مِنْ الْمَشَقَّتَيْنِ، فَإِذَا كَانَ لَهُ تَرْكُهُمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَتَحَمَّلَ إحْدَاهُمَا تَقَرُّبًا إلَى رَبِّهِ ﷿ فِيهِ الِاسْتِنَابَةُ فِيهِ صَحِيحًا. ثُمَّ إنَّ وُجُوبَ الْإِيصَاءِ إنَّمَا يَثْبُتُ ابْتِدَاءً إذَا كَانَ صَحِيحَ الْبَدَنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحُهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْجَاجُ.
وَعِنْدَهُمَا إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ تَعَلَّقَ بِهِ وَإِنْ كَانَ زَمَنًا أَوْ مَفْلُوجًا عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ أَنَّ مِنْ الشَّرَائِطِ عِنْدَهُ صِحَّةَ الْجَوَارِحِ خِلَافًا لَهُمَا، وَأَسْلَفْنَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ أَنَّ قَوْلَهُمَا رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ وَأَنَّهَا أَوْجَهُ وَذَكَرْنَا الْوَجْهَ ثَمَّةَ فَلْيُرَاجَعْ. ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي أَنَّ نَفْسَ الْحَجِّ يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ أَوْ عَنْ الْمَأْمُورِ. فَعَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ الْمَأْمُورِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ أُقِيمَ الْإِنْفَاقُ عَلَى الْحَاجِّ مَقَامَ نَفْسِ الْفِعْلِ شَرْعًا كَالشَّيْخِ الْفَانِي حَيْثُ أُقِيمَ الْإِطْعَامُ فِي حَقِّهِ مَقَامَ الصَّوْمِ، قَالُوا: إنَّ بَعْضَ الْفُرُوعِ ظَاهِرَةٌ فِي هَذَا وَسَيَأْتِي وَعَلَيْهِ جَمْعٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ والإسبيجابي وَقَاضِي خَانْ، حَتَّى نَسَبَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ هَذَا لِأَصْحَابِنَا فَقَالَ عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا: أَصْلُ الْحَجِّ عَنْ الْمَأْمُورِ.
وَمُخْتَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَجَمْعٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَيَشْهَدُ بِذَلِكَ الْآثَارُ مِنْ السُّنَّةِ وَمِنْ الْمَذْهَبِ بَعْضُ الْفُرُوعِ.
فَمِنْ الْآثَارِ حَدِيثُ الْخَثْعَمِيَّةِ، وَهُوَ «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ عَلَى عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ نَعَمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ،