وإن قال لعبده: إذا مت فمتى شئت، أو أي وقت شئت فأنت حر، أو قال: إذا مت فأنت حر متى شئت، أو أي وقت شئت.. فهي كالأولى، وأنه لا يعتق إلا إذا شاء بعد موت سيده، إلا أن في هذه يجوز أن تتراخى المشيئة عن الموت، سواء وجدت في المجلس أو بعده؛ لأن قوله:(متى شئت، أو أي وقت شئت) عام في الزمان.
فإن اكتسب العبد مالًا في هذه المسألة بعد موت سيده وقبل وجود المشيئة منه، أو كسب مالًا بعد موت سيده في المجلس قبل وجود المشيئة إذا علق العتق بمشيئته بعد الموت بقوله: فشئت، وقلنا: إن المشيئة في المجلس هي مشيئة على الفور.. فلمن يكون ذلك المال الذي اكتسبه إذا وجدت منه المشيئة؟
قال القاضي أبو الطيب: تكون نفقة العبد منه، وما بقي من نفقته فيه قولان، كما لو كسب العبد الموصى به لرجل مالًا بعد موت سيده وقبل قبول الموصى له، فإنه على قولين:
أحدهما: يكون الكسب للموصى له.
والثاني: يكون لورثة الموصي.
وقال ابن الصباغ: يكون الكسب هاهنا لورثة المعتق قولًا واحدًا.
والفرق بينهما: أن العبد هاهنا مملوك قبل وجود المشيئة منه.. فكان كسبه للورثة، بخلاف الموصى به، فإن الموصى له إذا قبل الوصية فيه.. تبينًا أنه ملكه بالموت في أحد القولين، فكذلك حكمنا له بملك الكسب في هذا القول.
فأما إذا قال لعبده: أنت حر إذا مت إن شئت، أو إذا شئت، أو إذا مت فأنت حر إن شئت، أو إذا شئت.. فقد قال البغداديون من أصحابنا: حكمها حكم ما لو قال: إذا مت فشئت فأنت حر.. فإنه لا يعتق إلا بوجود المشيئة بعد موت السيد.
وقال المسعودي في (الإبانة) : يحتمل أن يكون المراد به المشيئة في حياته، ويحتمل بعد الموت، فيرجع إليه، فإن لم يكن له نية.. فلا بد من المشيئة مرة في المجلس في حياة السيد ومرة بعد الموت، فإن شاء مرة واحدة.. قال: فالمشهور: أنه لا يعتق. وقيل: يحمل على المشيئة بعد الموت؛ لأنه الظاهر.