للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمَرِضَ هَانِئُ بْنُ عُرْوَةَ، فَأَتَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ يَعُودُهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَارَةُ بْنُ عَبْدٍ السَّلُولِيُّ: إِنَّمَا جَمَاعَتُنَا وَكَيْدُنَا قَتْلُ هَذَا الطَّاغِيَةِ وَقَدْ أَمْكَنَكَ اللَّهُ فَاقْتُلْهُ. فَقَالَ هَانِئٌ: مَا أُحِبُّ أَنْ يُقْتَلَ فِي دَارِي. وَجَاءَ ابْنُ زِيَادٍ فَجَلَسَ عِنْدَهُ ثُمَّ خَرَجَ، فَمَا مَكَثَ إِلَّا جُمُعَةً حَتَّى مَرِضَ شَرِيكُ بْنُ الْأَعْوَرِ، وَكَانَ قَدْ نَزَلَ عَلَى هَانِئٍ وَكَانَ كَرِيمًا عَلَى ابْنِ زِيَادٍ وَعَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأُمَرَاءِ، وَكَانَ شَدِيدَ التَّشَيُّعِ، قَدْ شَهِدَ صِفِّينَ مَعَ عَمَّارٍ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُبَيْدُ اللَّهِ: إِنِّي رَائِحٌ إِلَيْكَ الْعَشِيَّةَ.

فَقَالَ لِمُسْلِمٍ: إِنَّ هَذَا الْفَاجِرَ عَائِدِي الْعَشِيَّةَ فَإِذَا جَلَسَ اخْرُجْ إِلَيْهِ فَاقْتُلْهُ ثُمَّ اقْعُدْ فِي الْقَصْرِ لَيْسَ أَحَدٌ يَحُولُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ، فَإِنْ بَرَأْتُ مِنْ وَجَعِي سِرْتُ إِلَى الْبَصْرَةِ حَتَّى أَكْفِيَكَ أَمْرَهَا. فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْعَشِيِّ أَتَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ، فَقَامَ مُسْلِمُ بْنُ عَقِيلٍ لِيَدْخُلَ، فَقَالَ لَهُ شَرِيكٌ: لَا يَفُوتَنَّكَ إِذَا جَلَسَ.

فَقَالَ هَانِئُ بْنُ عُرْوَةَ: لَا أُحِبُّ أَنْ يُقْتَلَ فِي دَارِي.

فَجَاءَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَجَلَسَ وَسَأَلَ شَرِيكًا عَنْ مَرَضِهِ، فَأَطَالَ، فَلَمَّا رَأَى شَرِيكٌ أَنَّ مُسْلِمًا لَا يَخْرُجُ خَشِيَ أَنْ يَفُوتَهُ فَأَخَذَ يَقُولُ:

مَا تَنْظُرُونَ بِسَلْمَى لَا تُحَيُوهَا ... اسْقُونِيهَا وَإِنْ كَانَتْ بِهَا نَفْسِي

فَقَالَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: مَا شَأْنُهُ؟ أَتَرَوْنَهُ يَخْلِطُ؟ فَقَالَ لَهُ هَانِئٌ: نَعَمْ، مَا زَالَ هَذَا دَأْبُهُ قُبَيْلَ الصُّبْحِ حَتَّى سَاعَتِهِ هَذِهِ، فَانْصَرَفَ.

وَقِيلَ: إِنَّ شَرِيكًا لَمَّا قَالَ اسْقُونِيهَا وَخَلَطَ كَلَامَهُ فَطِنَ بِهِ مِهْرَانُ فَغَمَزَ عُبَيْدَ اللَّهِ فَوَثَبَ، فَقَالَ لَهُ شَرِيكٌ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُوصِيَ إِلَيْكَ.

فَقَالَ: أَعُودُ إِلَيْكَ.

فَقَالَ لَهُ مِهْرَانُ: إِنَّهُ أَرَادَ قَتْلَكَ.

فَقَالَ: وَكَيْفَ مَعَ إِكْرَامِي لَهُ وَفِي بَيْتِ هَانِئٍ وَيَدُ أَبِي عِنْدَهُ؟ فَقَالَ لَهُ مِهْرَانُ: هُوَ مَا قُلْتُ لَكَ.

فَلَمَّا قَامَ ابْنُ زِيَادٍ خَرَجَ مُسْلِمُ بْنُ عَقِيلٍ، فَقَالَ لَهُ شَرِيكٌ: مَا مَنَعَكَ مِنْ قَتْلِهِ؟ قَالَ: خَصْلَتَانِ، أَمَّا إِحْدَاهُمَا فَكَرَاهِيَةُ هَانِئٍ أَنْ يُقْتَلَ فِي مَنْزِلِهِ، وَأَمَّا الْأُخْرَى فَحَدِيثٌ حَدَّثَهُ عَلِيٌّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إِنَّ الْإِيمَانَ قَيَّدَ الْفَتْكَ، فَلَا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ بِمُؤْمِنٍ» .

فَقَالَ لَهُ هَانِئٌ: لَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>