للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمُؤْمِنِينَ قَدْ وَلَّانِي الْكُوفَةَ وَأَنَا غَادٍ إِلَيْهَا بِالْغَدَاةِ وَقَدِ اسْتَخْلَفَ عَلَيْكُمْ أَخِي عُثْمَانَ بْنَ زِيَادٍ، فَإِيَّاكُمْ وَالْخِلَافَ وَالْإِرْجَافَ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ بَلَغَنِي عَنْ رَجُلٍ مِنْكُمْ خِلَافٌ لَأَقْتُلَنَّهُ وَعَرِيفَهُ وَوَلِيَّهُ، وَلَآخُذَنَّ الْأَدْنَى بِالْأَقْصَى، حَتَّى تَسْتَقِيمُوا وَلَا يَكُونَ فِيكُمْ مُخَالِفٌ وَلَا مُشَاقٌّ، وَإِنِّي أَنَا ابْنُ زِيَادٍ أَشْبَهْتُهُ مِنْ بَيْنِ مَنْ وَطِئَ الْحَصَى فَلَمْ يَنْتَزِعْنِي شَبَهُ خَالٍ وَلَا ابْنُ عَمٍّ.

ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَصْرَةِ وَمَعَهُ مُسْلِمُ بْنُ عَمْرٍو الْبَاهِلِيُّ وَشَرِيكُ بْنُ الْأَعْوَرِ الْحَارِثِيُّ وَحَشَمُهُ وَأَهْلُ بَيْتِهِ، وَكَانَ شَرِيكٌ شِيعِيًّا، وَقِيلَ: كَانَ مَعَهُ خَمْسُمِائَةٍ فَتَسَاقَطُوا عَنْهُ، فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ سَقَطَ شَرِيكٌ، وَرَجَوْا أَنْ يَقِفَ عَلَيْهِمْ وَيَسْبِقَهُ الْحُسَيْنُ إِلَى الْكُوفَةِ فَلَمْ يَقِفْ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ حَتَّى دَخَلَ الْكُوفَةَ وَحْدَهُ، فَجَعَلَ يَمُرُّ بِالْمَجَالِسِ فَلَا يَشُكُّونَ أَنَّهُ الْحُسَيْنُ فَيَقُولُونَ: مَرْحَبًا بِكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ! وَهُوَ لَا يُكَلِّمُهُمْ، وَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّاسُ مِنْ دُورِهِمْ، فَسَاءَهُ مَا رَأَى مِنْهُمْ، وَسَمِعَ النُّعْمَانُ فَأَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ وَهُوَ لَا يَشُكُّ أَنَّهُ الْحُسَيْنُ، وَانْتَهَى إِلَيْهِ عُبَيْدُ اللَّهِ وَمَعَهُ الْخَلْقُ يَصِيحُونَ، فَقَالَ لَهُ النُّعْمَانُ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ أَلَّا تَنَحَّيْتَ عَنِّي! فَوَاللَّهِ مَا أَنَا بِمُسْلِمٍ إِلَيْكَ أَمَانَتِي وَمَا لِي فِي قِتَالِكَ مِنْ حَاجَةٍ! فَدَنَا مِنْهُ عُبَيْدُ اللَّهِ وَقَالَ لَهُ: افْتَحْ لَا فَتَحْتَ! فَسَمِعَهَا إِنْسَانٌ خَلْفَهُ فَرَجَعَ إِلَى النَّاسِ وَقَالَ لَهُمْ: إِنَّهُ ابْنُ مَرْجَانَةَ.

فَفَتَحَ لَهُ النُّعْمَانُ فَدَخَلَ، وَأَغْلَقُوا الْبَابَ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ، وَأَصْبَحَ فَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَقِيلَ: بَلْ خَطَبَهُمْ مِنْ يَوْمِهِ فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَّانِي مِصْرَكُمْ وَثَغْرَكُمْ وَفَيْئَكُمْ، وَأَمَرَنِي بِإِنْصَافِ مَظْلُومِكُمْ، وَإِعْطَاءِ مَحْرُومِكُمْ، وَبِالْإِحْسَانِ إِلَى سَامِعِكُمْ وَمُطِيعِكُمْ، وَبِالشِّدَّةِ عَلَى مُرِيبِكُمْ وَعَاصِيكُمْ، وَأَنَا مُتَّبِعٌ فِيكُمْ أَمْرَهُ، وَمُنَفِّذٌ فِيكُمْ عَهْدَهُ، فَأَنَا لِمُحْسِنِكُمْ كَالْوَالِدِ الْبَرِّ، وَلِمُطِيعِكُمْ كَالْأَخِ الشَّقِيقِ، وَسَيْفِي وَسَوْطِي عَلَى مَنْ تَرَكَ أَمْرِي وَخَالَفَ عَهْدِي، فَلْيُبْقِ امْرُؤٌ عَلَى نَفْسِهِ.

ثُمَّ نَزَلَ فَأَخَذَ الْعُرَفَاءَ وَالنَّاسَ أَخْذًا شَدِيدًا وَقَالَ: اكْتُبُوا إِلَيَّ الْغُرَبَاءَ وَمَنْ فِيكُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>