للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفِقْهِ وَأُصُولَ الْحَدِيثِ وَتَفَاصِيلَ الْفِقْهِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ وَكَذَا عِلْمُ الْقِرَاءَةِ، وَالتَّجْوِيدِ وَعِلْمُ الْحَدِيثِ، وَالتَّفْسِيرِ، وَالْكَلَامُ بِدْعَةٌ فِي زَمَانِ السَّلَفِ وَفَرْضُ كِفَايَةٍ فِي زَمَانِنَا لِضَرُورَةِ دَفْعِ الْمُخَالِفِ وَعِلْمُ الشَّعْرِ، وَالنِّيرَنْجَاتُ، وَالطَّلْسَمَاتُ وَعِلْمُ النُّجُومِ وَنَحْوُهَا غَيْرُ مَحْمُودٍ، وَكَذَا أَنْسَابُ الْعَرَبِ.

وَأَمَّا عِلْمُ الْمُكَاشَفَةِ فَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِالْمُجَاهَدَةِ مُقَدِّمَةً لِلْهِدَايَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: ٦٩] .

وَفِي الْمُنْقِذِ لِلْغَزَالِيِّ عَلِمْت يَقِينًا أَنَّ الصُّوفِيَّةَ هُمْ السَّالِكُونَ بِطُرُقِ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً وَسِيرَتَهُمْ أَحْسَنُ السَّيْرِ وَطَرِيقَتَهُمْ أَحْسَنَ الطُّرُقِ لَوْ جُمِعَ عَقْلُ الْعُقَلَاءِ وَحِكْمَةُ الْحُكَمَاءِ وَعِلْمُ الْوَاقِفِينَ عَلَى أَسْرَارِ الشَّرْعِ لِيُغَيِّرُوا شَيْئًا مِنْ سِيرَتِهِمْ وَيُبَدِّلُوهُ بِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ لَمْ يَجْدُوا إلَيْهِ سَبِيلًا، فَإِنَّ جَمِيعَ حَرَكَاتِهِمْ وَسَكَنَاتِهِمْ مُقْتَبَسَةٌ مِنْ مِشْكَاةِ النُّبُوَّةِ فَمَاذَا يَقُولُ الْقَائِلُ فِي طَرِيقَةٍ أَوَّلُ شَرْطِهَا طَهَارَةُ الْقَلْبِ عَمَّا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى وَمِفْتَاحُهَا: اسْتِغْرَاقُ الْقَلْبِ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَآخِرُهَا الْفَنَاءُ فِي اللَّهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ يَطُولُ الْكَلَامُ بِذِكْرِهَا.

وَفِي الْحَدِيثِ: «عِلْمُ الْبَاطِنِ سِرٌّ مِنْ أَسْرَارِ اللَّهِ تَعَالَى وَحِكْمَةٌ مِنْ حِكَمِ اللَّهِ يَقْذِفُهُ فِي قُلُوبِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى» .

قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِهِ عِلْمُ الْبَاطِنِ عِلْمُ الْمُكَاشَفَةِ وَذَلِكَ غَايَةُ الْعُلُومِ. وَقَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهُ يُخَافُ عَلَيْهِ سُوءٌ الْخَاتِمَةِ وَأَدْنَاهُ التَّصْدِيقُ بِهِ وَتَسْلِيمُهُ لِأَهْلِهِ وَهَذَا هُوَ الْعِلْمُ الْخَفِيُّ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ مِنْ الْعِلْمِ كَهَيْئَةِ الْمَكْنُونِ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِاَللَّهِ» انْتَهَى.

وَفِي الْأَشْبَاهِ: الْعِلْمُ بِقَدْرِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِدِينِهِ فَرْضُ عَيْنٍ وَبِمَا زَادَ عَلَيْهِ لِنَفْعِ غَيْرِهِ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَالتَّبَحُّرُ فِي الْفِقْهِ مَنْدُوبٌ كَعِلْمِ الْقَلْبِ وَعِلْمُ الْفَلْسَفَةِ، وَالشَّعْبَذَةِ، وَالتَّنْجِيمِ، وَالرَّمَلِ وَعُلُومُ الطَّبَائِعِيِّينَ حَرَامٌ وَأَشْعَارُ الْمُوَلِّدِينَ مِنْ الْغَزْلِ، وَالْبَطَالَةِ حَرَامٌ، وَالْأَشْعَارُ الَّتِي لَا سُخْفَ فِيهَا مُبَاحٌ إلَى آخِرِهِ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ قَدْرُ مَا يُعْلَمُ مَوَاقِيتُ الصَّلَاةِ، وَالْقِبْلَةِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَالزِّيَادَةُ حَرَامٌ فَإِذَا عُرِفَتْ الْعُلُومُ وَمَرَاتِبُهَا.

(فَإِذَا فَرَغَ السَّالِكُ مِنْ فَرْضِ الْعَيْنِ وَوُجِدَ مَنْ يَقُومُ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ أَوْ لَمْ يُوجَدْ) مِنْ يُحَصِّلُ فَرْضَ الْكِفَايَةِ مِنْ الْغَيْرِ (فَحَصَّلَهُ) أَيْ فَرْضَ الْكِفَايَةِ (أَيْضًا) كَفَرْضِ الْعَيْنِ (فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَقْبَلَ عَلَى الْعِبَادَةِ) فَيَتَفَرَّغُ لَهَا وَيَنْقَطِعُ عَمَّا سِوَاهَا وَيَسْتَوْعِبُ أَوْقَاتَهَا بِطَاعَةِ مَوْلَاهُ كَمَا هُوَ طَرِيقُ الْمُتَصَوِّفَةِ لَا سِيَّمَا الْوَاصِلِينَ إلَى رُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ كَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ (وَإِنْ شَاءَ أَقْبَلَ عَلَى الْعِلْمِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ) كَمَا سَبَقَ كَمَا هُوَ الْمُجْتَهِدِينَ وَكَافَّةِ عُلَمَاءِ الظَّاهِرِ (فَهَذَا أَفْضَلُ مِنْ الْأَوَّلِ) لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ التَّفْضِيلِ، وَالِاخْتِيَارِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَصْلِ الْفَضْلِ وَإِنْ أَوْهَمَ بِالنِّسْبَةِ إلَى رُتْبَةِ الْفَضْلِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ هَلْ الْعِلْمُ أَفْضَلُ أَوْ الْعَمَلُ. فَاخْتَارَ أَهْلُ الظَّاهِرِ الْأَوَّلَ لِمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ.

وَأَهْلُ الْبَاطِنِ الثَّانِيَ إذْ جَمِيعُ الْعُلُومِ مُقَدِّمَاتٌ، وَالْأَعْمَالُ نَتَائِجُ وَثَمَرَاتٌ فَلَوْلَا الْعَمَلُ لَا يُصَارُ إلَى الْعِلْمِ وَلِكَثِيرٍ مِنْ الْآيَاتِ، وَالْأَحَادِيثِ أَمَّا الْآيَاتُ فَنَحْوُ {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى - فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا} [الكهف: ٣٩ - ١١٠] {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: ١٧]- {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [التوبة: ٨٢]- {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا} [الكهف: ١٠٧]- {إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} [مريم: ٦٠]- {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: ١٠] .

وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ فَنَحْوُ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» الْحَدِيثَ. «وَأَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَالِمٌ لَمْ يَنْفَعْهُ اللَّهُ بِعِلْمِهِ» .

وَعَنْ الْحَسَنِ يَقُولُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي وَاقْتَسِمُوهَا عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِكُمْ. وَعَنْهُ أَيْضًا طَلَبُ الْجَنَّةِ بِلَا عَمَلٍ ذَنْبٌ مِنْ الذُّنُوبِ وَغَيْرُهَا.

وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي النَّصَائِحِ الْوَلَدِيَّةِ: الْعِلْمُ الْمُجَرَّدُ لَا يُؤْخَذُ بِالْيَدِ فَلَوْ قَرَأَ رَجُلٌ مِائَةَ أَلْفِ مَسْأَلَةٍ عِلْمِيَّةٍ وَتَعَلَّمَهَا وَلَمْ يَعْمَلْ بِهَا لَا تُفِيدُهُ إلَّا بِالْعَمَلِ وَلَوْ قَرَأْت الْعِلْمَ مِائَةَ سَنَةٍ وَجَمَعْت أَلْفَ كِتَابٍ لَا تَكُونُ مُسْتَعِدًّا لِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا بِالْعَمَلِ. وَرُئِيَ الْجُنَيْدُ فِي الْمَنَامِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَسُئِلَ عَنْ حَالِهِ فَقَالَ طَاحَتْ الْعِبَارَاتُ وَفَنِيَتْ الْإِشَارَاتُ مَا نَفَعَنَا إلَّا رَكْعَتَانِ رَكَعْنَاهُمَا فِي جَوْفِ اللَّيْلِ وَأُيِّدَ بِالْأَمْثَالِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ النُّصُوصِ، وَالْآثَارِ.

وَقَالَ عَلِيٌّ الْقَارِيّ: لَمَّا اسْتَوْصَى مُوسَى مِنْ الْخَضِرِ حِينَ الْمُفَارِقَةِ قَالَ لَا تَطْلُبْ الْعِلْمَ لِتُحَدِّثَ بِهِ وَاطْلُبْهُ لِتَعْمَلَ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>