للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَصْلُ التَّوَكُّلِ وَإِنْ مُنَاقِضًا لِكَمَالِهِ فِي حَقِّ الْمُوهِمِ مُطْلَقًا، وَفِي حَقِّ الْمَظْنُونِ حَالَ التَّعَمُّقِ (مَظْنُونَةً أَوْ مَوْهُومَةً) كَالْمَقْطُوعَةِ (وَلَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ هَذَا) أَيْ كَوْنَ التَّأْثِيرِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى (بَلْ اعْتَقَدَ أَنَّ الشِّفَاءَ مِنْ الدَّوَاءِ فَالْمَظْنُونُ بَلْ الْمُتَيَقَّنُ مُنَاقِضٌ لِهَذَا التَّوَكُّلِ أَيْضًا) كَالْمَوْهُومِ إذْ الْكُلُّ مُسَاوٍ حِينَئِذٍ بَلْ فِيهِ خَوْفُ كُفْرٍ لِكَوْنِهِ شِرْكًا فِي الْخَالِقِيَّةِ كَالدَّهْرِيَّةِ، وَالطِّبَاعِيَّةِ.

قِيلَ: إنْ اعْتَقَدَ كَوْنَهُ مُؤَثِّرًا بِذَاتِهِ فَكُفْرٌ وَإِنْ بِجَعْلِهِ تَعَالَى فِيهِ فَفِسْقٌ إذْ الْمُؤَثِّرُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى ابْتِدَاءً تَأَمَّلْ (وَأَمَّا كَمَالُ التَّوَكُّلِ فَالِاعْتِمَادُ، وَالِاتِّكَالُ) مِنْ التَّوَكُّلِ (عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِلَا اسْتِقْصَاءٍ) طَلَبِ الْقُصْوَى، وَالْغَايَةِ (وَلَا تَعَمُّقٍ) تَوَغُّلٍ (فِي مُلَاحَظَةِ الْأَسْبَابِ) إلَى أَنْ يَضْعُفَ الِاعْتِمَادُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْ يَذْهَلَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمُسْتَحَبٍّ بَلْ مَكْرُوهٌ فَيَلْزَمُ أَنَّ تَقْسِيمَ فُصُولِ الْعِمَادِيِّ إمَّا لَيْسَ بِحَاصِرٍ أَوْ مُسْتَلْزِمٍ لِتَدَاخُلِ الْأَقْسَامِ كَمَا لَا يَخْفَى.

(فَهَذَا مُسْتَحَبٌّ) لِوُرُودِ جِنْسِهِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ تَأْثِيرِ الظَّنِّ فَهَذَا الِاسْتِحْبَابُ أَيْ النَّدْبُ كَالنَّتِيجَةِ لِهَذَيْنِ الْكَلَامَيْنِ مَعَ طُولِهِمَا أَعْنِي كَلَامَ فُصُولِ الْعِمَادِيِّ وَكَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ: أَقُولُ (يُنَاقِضُهُ التَّشَبُّثُ) التَّمَسُّكُ (بِالسَّبَبِ الْمَوْهُومِ) فِي الِاسْتِحْبَابِيِّ وَعَدَمِهَا لَا فِي أَصْلِ الْجَوَازِ وَلَا فِي أَصْلِ التَّوَكُّلِ كَمَا عَرَفْت (فَتَرْكُ الْكَيِّ، وَالرَّقْيِ وَأَمْثَالِهِمَا) مِنْ الْمَوْهُومِ (مُسْتَحَبٌّ) لِلْكَمَالِ (وَلَا وَاجِبَ) لِعَدَمِ تَنَافِيهِ لِأَصْلِ التَّوَكُّلِ.

ثُمَّ أَقُول هَذَا هُوَ الْكَلَامُ عَلَى مُرَادِ الْمُصَنِّفِ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ هُنَا هُوَ الْمُوجِبَةُ الْكُلِّيَّةُ أَيْ كُلُّ الطِّبِّ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ عَلَى مَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ سَابِقًا وَمِنْهَا الطِّبُّ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ الْعِمَادِيَّةِ نَقِيضُهُ ظَاهِرًا وَضِدُّهُ احْتِمَالًا إذْ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي آخِرِ كَلَامِهِ بَلْ قَدْ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ فِعْلِهِ هُوَ السَّالِبَةُ الْجُزْئِيَّةُ بَعْضَ الطِّبِّ لَيْسَ مَنْدُوبًا إلَيْهِ وَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ احْتِمَالًا بَعْضُ الطِّبِّ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فَهَذَا ضِدٌّ لِلْمُوجِبَةِ الْكُلِّيَّةِ كَكَوْنِ السَّابِقَةِ الْجُزْئِيَّةِ نَقِيضُهَا فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُصَنِّفِ دَفْعُ هَذَا الْمَحْذُورِ، وَلَا يَتَعَرَّضُ إلَى نَقْلِ كَلَامِ الْعِمَادِيِّ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَقُولُ مُرَادُهُ إلَى آخِرِهِ إنَّمَا يُفِيدُ اسْتِحْبَابَ تَرْكِ الْمَوْهُومِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَطْلُوبٍ لَا اسْتِحْبَابَ فِعْلِ الْمَظْنُونِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ لَعَلَّ أَنَّ تَحْقِيقَهُ أَنْ يَجْعَلَ قَوْلَ الْعِمَادِيِّ فَفِعْلُهُ لَيْسَ مُنَاقِضًا لِلتَّوَكُّلِ أَيْ التَّوَكُّلِ الْكَامِلِ بَلْ مُجَامِعٌ لَهُ، وَالْمُجَامَعُ لِلتَّوَكُّلِ الْكَامِلِ لَا أَقَلَّ مِنْ الِاسْتِحْبَابِ وَيَجْعَلُ قَرِينَةَ ذَلِكَ مَظْنُونِيَّةً مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ أَوْ تَصْرِيحِ الْقَوْمِ بِنَدْبِيَّةِ الطِّبِّ هَذَا إذَا خَلَا عَنْ الْمَوَانِعِ، وَالْعَوَارِضِ وَأَمَّا عِنْدَ الْعَوَارِضِ فَقَدْ يَكُونُ التَّرْكُ أَفْضَلَ أَيْ النَّدْبُ يَكُونُ فِي جَانِبِ التَّرْكِ فَلَا تَعَارُضَ وَلَا عَدَمَ تَقْرِيبٍ.

(قَالَ فِي بُسْتَانِ الْعَارِفِينَ) حَاصِلُهُ إثْبَاتُ جَوَازِ الرَّقْيِ، وَالْكَيِّ، وَالتَّدَاوِي وَإِبَاحَتُهَا لَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَمَسُّ بِأَصْلِ الْمَطْلُوبِ الَّذِي هُوَ نَدْبِيَّةُ الطِّبِّ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الْإِبَاحَةِ النَّدْبُ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْجَوَازُ جُزْءُ النَّدْبِ فَالْمُرَادُ إثْبَاتُ جُزْءِ الْمَطْلُوبِ لِإِتْمَامِهِ، وَالْكَلَامُ فِي الرَّقْيِ، وَالْكَيِّ لِإِتْمَامِ الْمَنْقُولِ بِلَفْظِهِ مَعَ تَضَمُّنِهَا فَوَائِدَ مُنَاسِبَةٍ لِلْمَقَامِ.

وَقَالَ الْمُحَشِّي جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ وَارِدٍ عَلَى قَوْلِهِ بِجَوَازِ الرُّقْيَةِ فَهُوَ كَمَا تَرَى اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يَعْنِي بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَطْلُوبِ الْأَوْلَى.

وَأَمَّا التَّطَفُّلِيُّ فَلَا يَحْسُنُ هَذَا التَّطْوِيلُ لِأَجْلِهِ (وَأَمَّا الْأَخْبَارُ الَّتِي وَرَدَتْ فِي النَّهْيِ) نُقِلَ عَنْ الْمُصَنِّفِ فِي الْحَاشِيَةِ أَيْ عَنْ التَّدَاوِي، وَالرَّقْيِ أَقُولُ فِي الرَّقْيِ عَلَى الصَّرَاحَةِ، وَالتَّدَاوِي يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْإِشَارَةِ وَكَذَا الْكَيُّ فَالْكَلَامُ عَلَى نَحْوِ الِاكْتِفَاءِ (فَإِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ أَلَا يَرَى إلَى مَا رَوَى جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>